حمّاد السالمي
ماذا تفعل إيران الخمينية اليوم مع جيرانها العرب..؟ وهل يأتي اليوم الذي تشرب هي من ذات الكأس التي تسقي منها جوارها..؟!.
قال (يونسي) مستشار الرئيس روحاني: إن إيران أصبحت إمبراطورية عاصمتها بغداد..!
وسبقه من قال من قمة القيادة في طهران، بأن إيران تمتد حتى مياه البحر الأبيض المتوسط، وأنها موجودة أو (تحتل) أربع عواصم عربية..!.
الحقيقة.. إن أفعال إيران لا تحتاج إلى أقوال، فهي تمارس التخريب في سورية والعراق ولبنان واليمن منذ عدة عقود، وهي تتدخل بوقاحة في الشأن العربي عن طريق مراكزها الثقافية المشبوهة، وهي تركب موجة المذهب الشيعي من أجل تحويل بعض الشيعة العرب إلى (بغال) تركبهم إلى عواصمهم ومدنهم ومياههم، وتجعل من هذا البعض (عبيداً) ينفذون خططها في التوسع وتحقيق حلمها الصفوي في إمبراطورية ساسانية على حساب العرق العربي، متناسية أن العربي لا يقبل الإهانة ولا الضيم.. وتاريخ العرب مع الفرس معروف منذ مئات السنين، وأن أكثرية الشيعة في العالم هم من قبائل عربية أصيلة، لا تلبث أن تنتفض إذا مُست في حسبها ونسبها وشرفها.
تتشكل الخارطة الإيرانية من فسيفساء عرقية متعددة، أهمها الفرس، والأذريون، والجيلاك، والأكراد، والعرب، والبلوش، والتركمان. تقول مصادر رسمية: بأن الفرس يشكلون (51%) من السكان البالغ عددهم قرابة (70 مليون نسمة)، في حين يشكل الأذريون (24%)، والجيلاك المازندارنيون (8%)، والأكراد (7%)، والعرب (3%)، واللور والبلوش والتركمان (2%) لكل منهم، وبقية العرقيات (1%) من السكان. ويتميز المشهد القومي الإيراني بتداخل صارخ ما بين المذهبية والقومية، كما أن امتداداتها الجغرافية الإقليمية؛ تضيف إليه بعداً إقليمياً، مما يجعل الأمر غاية في التعقيد.
معظم هذه الأقليات العرقية في إيران؛ يقطنون المناطق الحدودية, فالعرب في الجنوب والجنوب الغربي، والبلوش في الجنوب والجنوب الشرقي، والتركمان في الشمال والشمال الشرقي، والأذريون في الشمال والشمال الغربي وأجزاء في الوسط، والأكراد في الغرب، ولها امتداداتها مع الخارج، فالعرب يمتدون إلى العراق ودول الخليج في الجنوب، والبلوش لهم امتدادهم في إقليم بلوشستان في باكستان وأفغانستان، أما التركمان فيجاورون تركمانستان، والأذريون يقطنون جنوب جمهورية أذربيجان، والأكراد جزء من الحلم الكردي الكبير في تركيا وكردستان العراق، ومذهبياً فإن (89%) من سكان إيران يدينون بالمذهب الشيعي، ويشكل أهل السنة (%10)، ويتوزع (1%) بين الأرثوذكس الأرمن واليهود والزرادشتة وغيرهم. ومعظم الفرس والأذريون والجيلاك والعرب هم سواد الشيعة، بينما الأكراد والبلوش والتركمان وبعض العرب والفرس في الأقاليم الجنوبية والشرقية هم السنة، الذين يتعرضون للتضييق والتجاهل المتعمد من قبل الحكومة المركزية في طهران، خصوصاً في فترة ما بعد الثورة الإسلامية، التي طالما رفعت شعار الوحدة الإسلامية.
ورغم النجاح الكبير الذي لعبته إيران في إيجاد الهوية الإيرانية -ولو على حساب بعض حقوق الأقليات العرقية والمذهبية- إلا أنها تتعرض لضغوط كبيرة حالياً، وما يحدث حولها من تطورات سياسية واجتماعية وأمنية في حقبة ما بعد الانهيار السوفياتي وعصر التفرد الأميركي، ويبدو أن المشكلات العرقية التي كانت قد خمدت تحت رماد الأيام، وجدت من ينفخ فيها، فمنظمة (مجاهدي خلق) ما زالت (تحت الطلب) عربياً أو غربياً، وعرب الأحواز بدأت أصواتهم ترتفع من خلال مظاهرات في عواصم أوروبية، و(جيش العدل البلوشستاني)؛ بدأ ينفذ عمليات ضد الحرس الثوري من شرقي إيران.
لقد دأبت الحكومات الإيرانية خلال الثمانين سنة الأخيرة التي استلم فيها الفرس البهلويون دفة الحكم من الأتراك القاجاريين، على ترسيخ الهوية الإيرانية المتمثلة في اللغة والتاريخ والثقافة الفارسية والمذهب الشيعي، خصوصاً في فترة ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979م. هذا التوجه خلق عدم ثقة لدى العرقيات الأخرى؛ وصل إلى حد المواجهات الدموية في فترات مختلفة من تاريخ إيران المعاصر، فقد حاول الأكراد إقامة جمهوريتهم عام 1946م باسم جمهورية مهاباد غربي إيران، غير أنها سقطت بعد 11 شهراً، وشهد نفس العام تحركات من القوميين الأذريين لإيجاد جمهورية مستقلة لهم شمالي إيران، غير أنها فشلت، وتعاني هذه الأقليات التي تقطن الحدود في معظم الحالات -خصوصاً الأكراد والبلوش والعرب- من الفروق الواضحة في مستوى المعيشة والتعليم وفرص العمل والرعاية الصحية والاجتماعية، إضافة إلى شعورهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة أحياناً.
ما أود قوله هنا؛ أن: (من كان بيته من زجاج؛ فلا يرم الناس بالحجارة)، وإيران مثلها مثل بقية دول الإقليم، لديها من التعقيدات العرقية والثقافية والمذهبية والاقتصادية، ما يمكن أن يحولها فيجعلها مثل جارتها العراق أو سورية، هذا إذا أراد الغرب وأراد العرب اللعب بذات الأوراق التي تلعب بها إيران في المنطقة، فلا يوجد أحد أحسن من أحد، وليست إيران استثناءً فيما يعيشه جوارها من فوضى وتشرذم وعدم أمن.
إن أمن إيران من أمن جوارها العربي أولاً، ثم الباكستاني والأفغاني والأذربيجاني والكردي، وإذا إيران سمحت لنفسها بالتدخل في الشأن العربي في العراق وسورية ولبنان واليمن والخليج، ومن ثم تخريب وتهديد أمن المجتمعات العربية؛ فهي يجب أن تقبل أن يتدخل المتضررون منها في شئونها، وفي الإضرار بأمنها بالطريقة نفسها، عرقية أو ومذهبية أو اقتصادية، مما يجعل أمنها مهدداً من جهاتها الأربع.
في فمي ماء وسؤال كذلك: لماذا هذا الصمت العربي حيال العبث الإيراني ضد الحكومات العربية وشعوبها..؟! جامعة الدول العربية صامتة..! ولولا ما يصدر عن مجلس التعاون الخليجي بين وقت وآخر لقلت: ما من عرب اليوم..!.
يتبقى لي سؤال: هل تستخدم واشنطن ولندن والغرب الورقة العرقية للضغط على إيران..؟ وهل يتحرك العرب للثأر من إيران بأسلوبها ذاته في التدخل وتحريك القوى المضادة لها في الأحواز وبلوشستان وغيرها..؟.
يجب أن تفهم إيران إن أرادت أن تفهم؛ أن أمنها من أمن العرب، وأنها كما تدين جوارها؛ سوف تدان في دارها.