لا شيء أكره من الحروب عند الإنسان، إلا أن يكون هناك من هو غير سوي، ولا شيء أحبّ لديه من الأمن والسلام، وما يؤدي إليهما من استقرار وحياة يجللها الهدوء والعمل والإنتاج. فالقتال والتدمير وإزهاق النفس وجعل الحياة غير مستقرة هو بداية ونهاية وما بينهما موت صريح ومرفوض ولا ينبغي أن يكون، غير أن للضرورة أحكاماً، وفي الدفاع عن النفس والوطن حق مشروع، وهذا ما ينطبق على حالة اليمن وعاصفة الحزم.
***
فالحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع علي صالح استولوا على السلطة في اليمن، وقاموا بانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، وطاردوا كل صوت عبَّر عن رأيه، ولاحقوا كلَّ تجمع يعارضهم، وقتلوا وسجنوا وعذَّبوا كلَّ من قاوم هذا الانقلاب، وتمادوا فوضعوا الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع وغيرهم في إقامات جبرية أو في غياهب السجون، وأعلنوا أن حربهم لن تقتصر على اليمن، وإنما ستمتد إلى الحدود السعودية، بل إلى مكة والمدينة، وأن الخيارات كلها مفتوحة للتعامل مع المملكة.
***
هكذا كان تفكير الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع بعد أن استولوا على العاصمة اليمنية ومدن ومؤسسات أخرى، وتورطوا بحشد قوات لهم على الحدود مع المملكة، فكان لهم ما حصدوا، حيث تقوم عاصفة الحزم بتأديبهم وإفشال مخططاتهم والقضاء على أي قوة تكون بين أيديهم، باتجاه إعادة الاستقرار لليمن، وتمكين الرئيس الشرعي من إدارة الدولة، والحيلولة دون التدخل الإيراني، ومنع أي سلاح غير شرعي من الوصول إلى اليمن من البر أو البحر، ومساعدة الشعب اليمني في تنظيم مؤسساته، وبعث مبدأ الحوار بين مكونات الشعب للتوافق على بناء اليمن الجديد، في ظل دولة تحتكم إلى القانون، لا إلى شريعة الغاب.
***
إن عاصفة الحزم ليست درساً للعملاء في اليمن فحسب، وإنما هي درس لإيران، التي ما فتئت تتدخل في شؤون الدول العربية، وتحيك المؤامرات فيها، وتثير الخلافات بين مكوناتها، وتوظف أعوانها في تحقيق أهدافها، مستخدمة المذهبية أحياناً والمال أحياناً أخرى، لتجد نفسها الآن أمام سقوط عملائها في اليمن، وحظر الطيران والموانئ من إيصال أي مدد من الأسلحة لهم، دون أن تكون لديها أي حيلة لتحتال بها لتعويض بعض ما خسروه من أسلحة في المعركة التي كانت من جانب واحد.
***
كل ما نتمناه، ونثق بأنه سيتحقق -إن شاء الله- بإنهاء هذا الخلل في المنظومة الأمنية في منطقتنا، وعدم تمكين الخونة من تكرار تجربة اليمن في أي دولة من دولنا العربية، فاللعب بالنار والاستقواء بالأعداء زمنه قصير ونفسه أقصر، وما من أحد اختار هذا الطريق إلا وكانت نهايته مأساوية، انظروا إلى ما يمر به الحوثيون وعلي صالح وأعوانه الآن، وتذكروا ما مرَّ به معمر القذافي وصدام حسين وغيرهم كثير، ولكن العاقل من يتعظ ويستفيد من هذه الدروس وغيرها كثير، بدلاً من البكاء والنحيب في الوقت الضائع.