لبنى الخميس
بقلب يملؤه الخوف والقلق، اتصلت على أسرتي في الرياض لأطمئن عليهم، فالعالم من حولي يتحدث عن حرب حقيقية بمصطلحات كبيرة وطائرات حربية ضخمة، وغرفة عمليات غاضبة، تقودها السعودية، وتشارك فيها عشر دول عربية، بمباركة أمريكية، فأكدت لي والدتي بصوت مطمئن وهادئ، بأنهم يعيشون حياة طبيعية، فلا نقاط تفتيش على الطريق، ولا قرارات حظر للتجول، ولا إجراءات أمنية مشددة، تثير الخوف والهلع في نفوس الشعب، وتعرقل روتينية حياتهم اليومية الآمنة. أدركت حينها أننا نعيش في عهد ملك استثنائي قوي ومحنّك، قادر على حفظ نعمة الأمن، والمراهنة على مبدأ الثقة والتلاحم بينه وبين شعبه، ما جعل معركته وعينه غالبا ًخارج حدود وطنه.
هذا الاحتشاد والالتفاف حول السعودية، ومبادرتها في شن هجمات عسكرية على الجماعات الحوثية الغاشمة، التي باتت تعيث في اليمن الشقيق فساداًً، وتعبث بمقدّراته، وتستبيح شرعية حكمه، تعطي رسالة واضحة للعالم أجمع، بحكمة وبعد نظر قيادة المملكة العربية السعودية، التي استطاعت عبر السنوات أن تخلق لنفسها مكانة وثقلا وزخّماً سياسياً ودولياً جباراً، دعا كثير من الدول العربية والإسلامية، وحتى الغربية، للتسابق لدعمها وتأييد خطاها. ولولا هذا الثقل الدولي، لما حظيت هذه القضية بما حظيت به من التفاف ودعم وحراك عسكري ودبلوماسي، وأجبرت القوى العظمى، أن تقف احتراما لها ولحقها بحماية حدودها وسلامة أراضيها.
100 طائرة خرجت من الأراضي السعودية، يقودها 100 من أبنائنا المخلصين، تشرف عليهم عقول وأدمغة وخبرات عسكرية محلية، ذات رؤية ومعرفة يؤخذ ويعتز بها، آمنوا بمبدأ العلم والخبرة والتدريب، فشكلوا حائط صدّ منيع ضد كل مطامع خارجية، تطمح لزعزعة أمن المملكة، والعبث بأراضيها وثرواتها. فنحن لا نتحدث عن دولة هامشية مغمورة على الخريطة، بل عن كيان عربي قوي، ذو ثقل سياسي واقتصادي وديني عظيم، يقود المنطقة اليوم سياسياً برفقة أم الأمة العربية مصر، وأكبر مصدر للنفط في العالم، وأقوى مغذي لشرايين الطاقة التي تحرك المعمورة، أرض مباركة تهفو لها قلوب ملياري مسلم كل عام، وتُضبط البوصلة على كعبتها المشرفة خمس مرات يومياً.
نحن الأرض الممتدة على مساحة مليوني كيلومتر، والتاريخ المرتبط بأرض الجزيرة العربية بصحاريها بجبالها وسهولها وبحارها، وقبائلها وشعرائها ومؤرخيها، ومن توافدوا للعيش في ظلال رخائها وأمنها، والاكتساب من وافر رزقها.
منهم إخواننا اليمنيين الذين يتجاوز عددهم المليون شخص، ممن قدموا إلى أرض المملكة للعمل والكسب الشريف، وها هم اليوم يعانون الأمرّين من الأوضاع السياسية المضطربة في بلادهم، والحالة الاقتصادية المتردية، ما يطرح سؤالاً هاماً يجب على حكومات دول الخليج الالتفاف له ومنحه المزيد من المتابعة والاهتمام.. ماذا بعد عاصفة الحزم؟ فكسر شوكة الحوثيين هدف عسكري هام وأساسي، محقق بإذن الله، لكن تجفيف منابع التطرف، وردم الفجوة العملاقة التي خلفتها العوامل الاقتصادية ما بين طموحات اليمن بالاستقرار، والواقع المرير والمظلم الذي تعيشه، هو الهدف الذي يجب على دول الخليج والعالم العربي منحه كل اهتمام. فالظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها اليمنيون والمعاناة من كافة أمراض العالم الثالث من فقر وجهل وتخلف وبطالة وفساد، خلقت بيئة مثالية، لنمو تلك الجماعات والخلايا المتطرفة وتكاثرها، كما شاهدنا سابقا في سوريا وليبيا والعراق.
المساهمة في دعم اليمن اقتصادياً، ودفع عجلة التمنية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية فيه، والأهم رعاية مشروع سياسي توافقي يجتمع كافة مكونات المجتمع اليمني تحت مظلة وطنية مشتركة، هو الحل الدائم والمستمر، لخلق دولة جوار مستقرة، تصدر طاقة شبابية منفتحة ومتعلمة، لا تكتلات متشددة ومتعنتة، مقبلة على الحياة لا على الموت.. هذا اليمن الذي نتمناه ونطمح للمساعدة في إنشائه وبنائه، ليليق بأبنائه الذي ملّوا الحرب والشتات.