د. حسن بن فهد الهويمل
لم يكن قرار الحرب الشجاع مفاجئا للمواطن السعودي، وهو يرى أن دولة عربية شقيقة مجاورة تسقط في يد الأطماع الصفوية المجوسية الحاقدة، ليمتد خطرها بعد ذلك إلى دول الجوار. في لحظة إعلان الحرب لحماية الشرعية، فتحت الأمة العربية صفحة جديدة, نتمنى لو أنها فتحتها من قبل.
لقد أبلغت العالم على لسان خادم الحرمين الشريفين رسالة من نوع جديد, تخطت لغة التفاوض الناعم إلى لغة التناوش اللاّهب. إنها رسالة أكره الخليجيون عليها، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً):
(إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا * فما حيلة المضطر إلا ركوبها)
إنها رسالة من الوزن الثقيل، لكل من يريد زعزعة الأمن، والاستقرار, واستغلال الآثار السلبية لـ(لربيع العربي).
لقد أعلن القائد الأعلى للقوات العسكرية كافة بدء ضربات جوية، تعيد لليمن أمنه, واستقراره، وتلاحمه، وشرعيته، وتقلِّم أظافر المجوسية الصفوية الطائفية الأخطبوطية المتخبِّطة.
الشعب السعودي على دين ملوكه، شعب مسالم، بل هو شعب حَمَّال يستبق الخيرات، ويستخدم راجمات الدرهم والدينار، لتفادي الأخطاء.
ودولته سباقة إلى احتواء المواقف بالتي هي أحسن.
لقد فوتت أمتنا على نفسها، وعلى حلفائها بعض الفرص سعياً وراء حقن الدماء، وجعل الخيار العسكري آخر الخيارات، بل ربما لا يكون خياراً وارِداً في ترتيب خياراتها. وهي إذ ترجئ حلول الردع تترك للخصوم أكثر من طريقة للخلوص من تراكمات الأخطاء، دون إراقة للدماء.
لم يأوِ الشعب السعودي إلى فراشه منتصف ليلة الخميس الفارط إلا وقد تلقى قراراً صعباً، ما كان بوده أن يكون، ولكنه فرض نفسه، وأصبح من جهاد الدفع، وهو أضعف التصرفات, إذ (ما دون الحلق إلا اليدين) كما يقول المثل العامي.
خادم الحرمين الشريفين أيده الله بنصره, وبالمؤمنين لم يتخذ هذا القرار الصعب إلا على أرض صُلبة، قوامها تماسك الجبهة الداخلية، ورضاها عن هذا القرار السيادي، وتأييد الرأي العام العالمي، ومباركته لهذه الخطوة الراشدة، وشرعية بدء القتال استناداً إلى آية {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ...} إضافة إلى التفاف حبل المجوسية على عنق الخليجيين وعمالة (ميليشيا) الحوثيين لدولة غير عربية، وتنفيذ (أجندتها) دون احترام للأخوة العربية والإسلامية.
خيار الحرب خيار صعب، وخطير، ولكن (لا بد مما ليس منه بد)، فالمملكة أمام خيارات صعبة، وهي لا تريد أن يسيل دمها على أعقابها، تريد أن تظل عزيزة تملك قراراتها المصيرية.
لقد ظلت (الرياض) عاصمة العروبة، والإسلام، هذه الأيام العصيبة ملتقى زعامات: عربية, وإسلامية, وعالمية. تداول فيها قادة البلاد الرأي مع الدول الشقيقة, والصديقة، للخروج من هذه المآزق, وانتزاع تأييد المحافل الدولية, والإقرار بشرعية الضربات الجوية.
وهي إذ تقود التحالف بقوة, واقتدار, وتوقيت دقيق، فإنها قادتها من قبل.
قادتها في زمن (الملك فهد) لتحرير دولة الكويت.
وقادتها في زمن (الملك عبدالله) لتحرير دولة البحرين.
وهي اليوم تقودها في زمن (الملك سلمان) لتحرير دولة اليمن. وستظل مع الشرعية، ومع الأمن، والاستقرار لدول المنطقة. هي حليمة، ولكن لها غضبةٌ مُضَرِيةٌ كالطوفان.
لقد تمادت (إيران) في غيِّها، وشكّلت أخطبوطاً طائفياً عنصرياً، وكانت حسابات المملكة في إنهاكها، وتشتيت شملها، واستنزاف خيراتها.
وعلى الرغم من تدني المستويات الأمنية كافة، والاقتصادية، والسياسة عندها، إلا أنها ماضية في دسائسها، وتصدير ثورتها، وظنها الذي أرداها يتمثل في تصور عجز المملكة عن اتخاذ قرار الحرب.
ولما لم يكن بد من المواجهة العسكرية بادرتها دول التحالف، بقيادة المملكة, وبدعم وتأييد إقليمي، وعالمي. وهي ماضيةٌ في ضرباتها الانتقائية، حتى يعود المتمردون إلى رشدهم، ويسلموا للشرعية، والقبول بموائد التفاوض.
المملكة والدول العشر معها ليست لها أهداف توسعية، وليست لها أطماع اقتصادية، وليست لها (أجندة). وإنما تريد عودة الشرعية، وتريد لليمن أن يحكمه أبناؤه، تريد إيقاف التدهور الأمني, والحرب الأهلية، ومتى تحققت تلك الرغبات فإن صقورها البواسل سيعودون إلى قواعدهم سالمين.
المملكة، ودول الخليج تريد أن تبعث للدول العابثة بأمن المنطقة رسالة عملية بعد أن مللت من الرسائل القولية.
فالمعتدي قد لا يفهم إلا الردع، وها هي تبعث برسالة قوية ستعيها كل الأطراف، وتذعن لها، لأنها رسالة مشروعة, وقوية، ومحدودة، ومؤيدة من الشعب اليمني, ومن العالم كله.
رسالة ما كنا نود اللجوء إليها, ولكنها أصبحت الخيار الوحيد على حد (مكره أخاك لا بطل).
لقد خاضت (إيران) لعباً قذرة على شاكلة (شقيق) الذي جاء عارضاً رمحه. لقد قالت المملكة على لسان صقورها البواسل:
(إن بني عمك فيهم رماح)
الشعب السعودي الذي شفى نفسه، وأبرأ سقمه قرار الحرب، يتوجه إلى الله بالدعاء الصادق أن يحفظ صقورنا البواسل، والأبرياء من الشعب اليمني, ويبادر بالتأييد المطلق لقيادته الحكيمة بهذا القرار الحكيم، في توقيته, وتقديره.
ومع اقتدار قادته فإنه لا يزهو, ولا يتطاول, ولا تغره قدراته, والتأييد العالمي له، ويود ألا يتعرض اليمن إنساناً وبناء, وبنية, لأية أضرار جانبية، ولسان حاله يردد:
(إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها * تذكَّرت القربى فسالت دموعها)
إننا نود تحقيق النصر, وإحقاق الحق بأقل الخسائر منا, ومن الشعب اليمني المغلوب على أمره، ومثمناته.
لا نريد العناد، ولا نود نزيف الدماء, ما نوده أن يعي الحوثيون ومن وراءهم الرئيس السابق، وإيران أن دول التحالف ماضون إلى النهاية، وأنهم بدؤوا عملية إسلامية قومية شريفة، ولن يتوقفوا حتى يحققوا ما بدؤوا من أجله.
ومن الخير لليمنيين أن يستوعبوا الرسالة, وأن يقدروها حق قدرها.
فما عاد بالإمكان النكول عن مبادئها.
اليمن مختطف، وواجب العالم العربي أن يعيده إلى الشرعية ويحول دون حرب أهلية، تزيد في ترديات أوضاعه المتردية من قبل.
إن على (إيران)، وفلول الجيش الموالي للرئيس السابق، والطائفية الحوثية أن يعيدوا قراءة الواقع, وأن يتخلوا عن أحلامهم المستحيلة.
اليمن لليمنيين، ومن أراد غير ذلك ستكون شعابه، وأوديته مقبرة للغزاة إن التمادي في الباطل مضيعة للجهد, والوقت, والمال, والمكتسبات.
ومن الحماقة أن يتجاهل المعتدون مصائر الظلمة.
ومعتصر المختصر أن الضربات الجوية المحدودة تحمل شفرتها المتمثلة بالنقاط التالية:
- الحوثية باستنساخها المشوه للتشيع الفارسي حلقة في سلسلة الإرهاب ولا صلة لها بالزيدية المعتدلة، والمقبولة عربياً.
- الكلمة الأخيرة للشرعية، وللشعب المغلوب على أمره.
- الحوار هو الحل الأمثل لتجاوز الخلاف وخلط الأوراق.
- إعلان العمليات الجوية خيار عربي, وعالمي, وليست خياراً سعودياً.
- إيران راعية للإرهاب، ولا يمكن أن تطلق يدها في أي بقعة من الوطن العربي.
- المملكة الداعم الأكبر لليمن (لوجستياً)، و(إيران) المتدخل الأكبر عسكرياً.
- المملكة ليست لها (أجندة) خاصة, و(إيران) مصدرة للثورة الطائفية.
- حدود المملكة في مرمى الصواريخ الحوثية التي لما تزل تتطاول, وتهدد، مستغلة الحلم، والأناة التي تتحلى بها المملكة.