يوسف المحيميد
كثيراً ما يسألني صحفيون سعوديون، ضمن حوارات ثقافية، عن نظرة العرب نحو منجزنا الأدبي، السردي والشعري، وكنت أضيق بمثل هذه الأسئلة، فكل الأدباء العرب الذين عرفتهم رائعون، ويتعاملون مع منتجنا الأدبي ضمن الأدب العربي، دون تمييز أو تقليل أو انتقاص، بل كنت أستغرب لماذا هذه الأسئلة، والعالم العربي منذ التسعينيات، تخلص من فكرة المراكز الثقافية والأطراف، وبشهادة كثير من الأدباء المصريين واللبنانيين والعراقيين، أن دولهم فقدت مسمى المركز الثقافي، فلم تعد بغداد، ولا القاهرة، ولا بيروت، هي المراكز الثقافية وغيرها أطراف، وإنما كثير من العواصم العربية أخذت مكانتها، بل وحتى بعض المدن، كالشارقة، استطاعت أن تصنع لها مكانة ثقافية لافتة.
لكن نظرتي تلك اهتزت، وقد سمعت أحد الإعلاميين والمحللين السياسيين اللبنانيين، هو السيد غسان جواد، حتى وإن كان محسوباً على حزب الله، وهو يشتم المملكة، ويتهجّم على الزميل الأستاذ جميل الذيابي، ويصفنا بالبدو والهمج، ويصيح في الإستديو بأسلوب شوارعي فجّ قائلاً: نحن الشوام أسيادك! حتى اضطر الذيابي أن يخرج عن هدوئه، ويؤكد أن المملكة شامخة، وهو قزم... ولا أعرف لماذا غضب إلى درجة أن كاد يقفز على الطاولة حينما وصفه بالقزم.
بعيداً عما أطلقه غسان جواد من «ردح» إعلامي يليق بالندابات، أستغرب ممن ما زال يستخدم عبارات الستينيات، زمن المد الاشتراكي، وأوهام الديمقراطية العربية، التي تصف المملكة بالرجعية والتخلف، رغم إنها تعد قوة إقليمية ذات مكانة مهمة، على المستوى السياسي والاقتصادي والديني، فعلى المستوى السياسي لم تتوقف المملكة يوماً عن المبادرة بالعديد من التسويات السياسية بين الفرقاء في مختلف الدول العربية، آخرها كانت محاولاتها المستميتة لجمع الأطياف السياسية اليمنية قبل شهر، سواء في الرياض أو الدوحة أو القاهرة، وتحذيراتها المستمرة الحوثيين ولصالح بأن ما يحدث في اليمن من انقلاب واحتلال سيقود إلى حرب أهلية طويلة، وأهابت بالمجتمع الدولي للتدخل، وصدرت قرارات بذلك، لكن عمل الميليشيات لا يعترف بالقوانين والأعراف الدولية، فاضطرت آخيراً إلى تلبية نداء الرئيس الشرعي لليمن، بالتدخل العسكري إنقاذاً للوضع المتردي هناك، وتحالف العالم كله تقريباً معها، ما عدا إيران والعراق.
وعلى المستوى الاقتصادي نفتخر بأن المملكة ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاداً في العالم، وهي الدولة الوحيدة من الشرق الأوسط في هذه المجموعة، وقدرات المملكة الاقتصادية والصناعية معروفة، خاصة في مجال الصناعات البترولية والبتروكيماوية والتعدينية، ويكفي أن لديها طاقة تضيء الكوكب بأكمله، بينما غسان وأمثاله لا يستطيع دفع الظلام عن ضاحية لا تزيد مساحتها عن ضاحية لبن.
هذا الذي يصفنا بالبدو، وأهل الصحراء، تمكنا من استخراج كنوز هذا الصحراء، مقابل لم تصنع بلاده من أنهارها وطبيعتها سوى الوهم، والردح الإعلامي لصالح دول أجنبية، وليست لبلاده للأسف. أعرف أن أكثر القراء، سيلومونني بأن أهدرت هذا الحبر على إعلامي لا يستحق سوى ابتسامة زهو صغيرة، أمام انفعاله ولطمه المخزي.