سعد بن عبدالقادر القويعي
ليس جديدا أن تثير معركة تكريت اليوم - مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين -، مخاوف التمدد الإيراني في العراق، وإشعال نذر حرب طائفية خطيرة، تدق أبواب الرافدين، واقترابها من منزلق الانتقام، وتصفية الحسابات مع المكون السني، على غرار ما أقدمت عليه الميليشيات الإيرانية في مناطق عراقية أخرى، متجاوزة البعد الإستراتيجي السياسي الراهن، إلى أبعاد أخرى يأتي في مقدمتها : العوامل العقائدية، والطائفية، والتاريخية، وكأنها تتبع إستراتيجية عسكرية منهجية، مرسومة بدقة من أعلى القيادات الإيرانية، وبشكل مباشر، وعلني.
في ظل الدور المتضخم لإيران، وتزامنه مع الوجود العسكري الإيراني العلني في جبهة تكريت، وتدفق الأسلحة الإيرانية الثقيلة، والنوعية المستمرة على قوات من الجيش الشعبي، وقوات الحشد الشعبي، وميليشيات إيرانية، والتي بلغ عددها أكثر من ثلاثين ألف مقاتل، والمدعومة جوا بطائرات عراقية، والمشهود بسجلها السيئ في انتهاكات حقوق الإنسان، والتطهير العرقي، والطائفي، فإن إيران ستسعى إلى تحييد المعركة لصالح أجندتها الطائفية، والعمل على توطيد نفوذها في العراق. فموضوع الحرب الدائرة على أرض تكريت، بات لصيقا بالدور المتضخم لإيران، بعد أن تم حشد كل ما يمكن؛ من أجل كسب معركة تكريت. -ولذا- فإن الاستيلاء على هذه المدينة، سيمثل نصرا إيرانيا بامتياز، وتطبيقا على أرض الواقع لخطة تمتد من الحدود الإيرانية، تسترد من خلالها مدنا مهمة من تنظيم داعش، وستشكل بداية المعركة الكبرى في العراق.
أخشى أن تنعكس التداعيات السلبية على مستقبل تكريت، وعلى توازناته الداخلية، -إضافة- إلى تنامي قلق دول المنطقة من تجيير إيران الحرب لمصلحتها، -خصوصا- وأن العملية تتم بإشراف مباشر من -القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني المتطرف- قاسم سليماني، الذي يتواجد -حالياً- في الجبهة الشرقية، وهو يوجه العمليات العسكرية على أرض المعركة. بل إن بعض المواقع بثت صورا لسليماني أثناء وجوده على الجبهة، وبحسب ما نشرت وكالة «فارس» الإيرانية، فإن سليماني وصل إلى تكريت -قبل أيام قليلة-؛ لتقديم الاستشارات للقادة العراقيين. وقد نشرت له صورا مع قيادات معركة تكريت، والتي انطلقت رسميا -الأسبوع الماضي-.
بل إن مراقبين يرون: أن تدفق الأسلحة الإيرانية المستمرة على المليشيات الشيعية، يأتي لتعزيز قدراتها العسكرية، بحيث تصبح قادرة على التحكم بالوضع السياسي، والأمني في العراق، وقدرتها على الضغط على الحكومات المتعاقبة، وحماية مصالحها في العراق.
كما أن من أبرز قادة الحملة على مدينة تكريت، -القائد- هادي العامري، والذي يتزعم ميليشيا بدر -أكبر الفصائل المسلحة الموالية لإيران-، ويعد أبرز قادة الحشد الشعبي، -والقائد- جمال جعفر، ويعرف باسم أبو مهدي المهندس، ويشتهر بقربه الشديد من المرشد الإيراني الأعلى، -والقائد- قيس الخزعلي، وهو زعيم عصائب أهل الحق -أكثر الميليشيات الشيعية شراسة في عمليات الانتقام من سكان مناطق سنية-.
وتؤكد الباحثة «ج. أ. داير» نقلاً عن -صحيفة- العرب 11-3-2015م، أن معركة تكريت ما كانت لتحدث دون سليماني، ولواء القدس الإيراني. وهو -أيضا- ما تؤكّده المعلومات التي ينقلها شهود عيان على مواقع التواصل الاجتماعي، -خصوصا- تويتر. وتبيّن مدى مشاركة الإيرانيين في الحرب التي تدور رحاها في تكريت أسبابا أخرى، تسوقها - الباحثة الأمريكية في قراءتها للخلفيات التاريخية، والسياسية لمعركة تكريت، وأصول التواجد الإيراني في العراق، من ذلك قولها، إنه: «بعد ثلاثة قرون ونصف من معاهدة زهاب، تعرف -أيضا- بمعاهدة قصر شيرين، وجدت إيران -ما بعد ثورة الخميني- نفسها في مواجهة خطر جدي من عراق مستقل، وأصولي، وفجأة أصبح الطريق إلى بغداد أهمية -جغرافية عسكرية- من جديد، وبعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003م، كانت إيران جاهزة للاضطراب الذي تلي ذلك في بلاد الرافدين، بالاعتماد -خاصة- على مليشيات قاسم سليماني من المجموعات الخاصة، المستعدة لتلبية النداء. -واليوم- يتكرّر نفس السيناريو في ظلّ الحرب التي يقودها التحالف الدولي، بزعامة واشنطن ضدّ داعش في العراق.
مع استمرار المعركة للأسبوع الثالث على التوالي، يبرز التخوف بتسعير الصراع الطائفي، والذي ينتظر العراق المضطرب. كما ينذر بوقوع كارثة كبيرة في المنطقة، سيؤدي إلى نتائج عكسية على الصعيدين -السياسي والعسكري-. وسيقنع المكون السني في العراق، أن البديل سيكون على نفس الدرجة من السوء، بل أشد؛ لأنه سيوفر الغطاء للتواجد الإيراني؛ تحت ذريعة محاربة الإرهاب.