د. عبدالواحد الحميد
ليس هناك ما هو أقسى، في حياة المتقاعد، من مواجهة ظروف مالية فوق طاقته وإمكاناته، وبخاصة عندما تكون مفاجئة وغير متوقعة. ففي خريف العمر، حين تهجم الأمراض وتتبدل الأحوال وتتغير طبيعة العلاقات مع «الأصدقاء» ومع الناس عموماً يكون الإنسان بأمس الحاجة لمورد دخل يغطي احتياجاته الأساسية وهامش للطوارئ ومواجهة المستجدات.
قد يستطيع الإنسان الاعتماد على الغير في محيطه العائلي والاجتماعي بشكل جزئي أو كامل، لكن الأمان الحقيقي هو أن يكون لدى المتقاعد دخل يحميه من ذُل السؤال حتى من أقرب الناس إليه. ففي هذا الزمان الذي تبرز وتتصاعد النزعة الاستهلاكية وتقليد الآخرين ومجاراتهم ينشغل كل إنسان بأحوال نفسه لأن طاحونة الاستهلاك الفظيعة الهادرة لا ترحم. وبالطبع ليس هذا تعميماً، فالخير يظل في الناس، وهناك من {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، لكن الحاجة قاتلة وهي أكثر فتكاً عندما يتم إشباعها بطريق الإحسان والشفقة حيث تتحدد «اليد العليا» و»اليد السفلى» في معادلة الحياة.
أقول ذلك استمراراً لما طرحته في مقالي المنشور في هذه الجريدة يوم أمس الأول (السبت)، وأضيف: إن الأدوار التي يجب أن تقوم بها المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ووزارة الشئون الاجتماعية يجب أن تتضاعف، وبخاصة وزارة الشئون الاجتماعية حيث لازالت استحقاقات ومعونات بعض الفئات المحتاجة أقل من أن تغطي احتياجات المستفيدين بالرغم مما طرأ عليها من تحسينات في الآونة الأخيرة.
تبقى بعد ذلك الأنماط السلوكية للمتقاعدين أنفسهم، فالبعض لا يخطط أبداً لمرحلة التقاعد، والأسوأ من ذلك هو المتهور الذي يقامر بمدخراته في الدخول بمضاربات مالية أو في استثمارات غير مدروسة لدرجة أنه قد يضع كل ما يملك من مدخرات وكل «تحويشات» عمره في مشروعٍ واحد وبائس بناءً على مشورة شخص لا يملك خبرة أو بناءً على ما يسمعه من إشاعات ووعود.
وعندما يفشل المشروع، ينهار كل شيء، فيجد المتقاعد أن مدخراته قد أصبحت صفراً وربما أنه أيضا محاصرٌ بالدائنين!
والخلاصة، أن مرحلة التقاعد هي زبدة الحياة التي يجب أن تكون ذهبية ومريحة، وأن درجة المخاطرة عالية حين يقرر المتقاعد ذو الإمكانات المالية العادية (وليس الشريحة المقتدرة مالياً) أن يغامر بشكل غير مدروس بمدخراته فيفسد حياته في خريف العمر ويحولها إلى جحيم؛ فالحذار.. الحذار.. أيها المتقاعدون.