هناك من يتجاهل الحقيقة، ويلوذ بالصمت دون إبرازها والتعاطي معها، بل قد يضعها في غير مسارها الصحيح بما يعبِّر عنه وفيه من آراء ووجهات نظر؛ لتبدو هكذا بلا محتوى أو مضمون. وكأن هؤلاء قد غيَّبهم الحقد أو الجهل، أو كلاهما معاً؛ لكي لا يقفوا مع الحق مناصرين ومؤيدين، بينما كان عليهم ومن واجبهم -إن كانوا أسوياء- الذب عنها، واحتقار كل من يقوم بالالتفاف عليها، أو يتصرف على نحو يخفي مضامينها الجميلة.
***
أمام (عاصفة الحزم) هناك أبواق إعلامية كثيرة، تتحدث بلغتنا، وتتباكى على ما تتعرض له مليشيا الحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح، وتُصوِّر جرائمهم في ميدان المعارك وتنسبها كذباً وبهتاناً إلى الطرف الآخر الذي يقوم بدور بطولي لإنقاذ الشعب اليمني المكلوم من جلاديه، وحماية اليمن من مختطفيه، والدفاع عن الشرعية، ومنع إيران من أن يكون لها موطئ قدم في اليمن الشقيق، غير أن هذه الأبواق الإعلامية المأجورة المموَّلة من أعداء هذه الأمة، ومن الطامعين بخيراتها، المتآمرين على وحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، رضيت لنفسها أن تقوم بهذا الدور المشين خدمة لهم.
***
في شأن (عاصفة الحزم) هناك أيضاً ما يمكن اعتبارها دروساً ينبغي أن نتعلم منها ما يجب أن نقوم به في المستقبل، فقد أعطينا ثقتنا لمن لا يستحقها، ودعمنا من لم يكن أميناً في خدمة أشقائنا شعب اليمن، ووثقنا واعتمدنا على اتفاقيات تنظِّم العلاقة بيننا، فإذا بهم لا يلتزمون بها، ودافعنا إلى جانبهم فيما اعتقدنا أنه يصب في مصلحة دولة شقيقة، فإذا بنا بين ليلة وضحاها نكتشف اللؤم والغدر والخيانة من هؤلاء، بإعطائهم ظهر المجن لكل ما يخدم بلدَيْنا، متجهين إلى إيران، يلبون طلباتها، ويأتمرون بأمرها، ولا يرفضون لها أمراً، وويل لهم من الملالي إن فعلوا غير ذلك.
***
هذه الأكاذيب، وقلب الحقائق من قِبل بعض وسائل الإعلام الحاقدة، وتصوير ما يجري بخلاف ما يتحدث به المتحدث باسم قوات التحالف، هي من باب ذر الرماد في العيون، وإلا فإن سير الضربات الجوية قد اقتصر على شل كل قدرة للحوثيين وأنصار علي عبدالله صالح على المقاومة، دون أي مساس بالمدنيين، فضلاً عن أنه منع إيران من أي دور يمكن أن تقوم به في هذه المعارك كما تفعل في سوريا والعراق ولبنان، وهو ما يعني أن على المتعاطفين مع الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني المخلوع التسليم بحقيقة ما يصدر من معلومات يكون مصدرها العميد العسيري، وما عدا ذلك فهو كذب ومن باب تعزية النفس من قِبل عبدالملك الحوثي وعلي عبدالله صالح والملالي في إيران.
***
تضليل بعض وسائل الإعلام المنسوبة إلى ممولين ممن تدور حولهم الشبهات من الدول والمنظمات والأفراد، بإخفائهم حقائق ما يجري في اليمن الشقيق، لن يُضعف من معنويات صقورنا البواسل، أو يترك شيئاً من التأثير النفسي، فهذا وهم وأضغاث أحلام؛ فالصور من الجو وفي الأرض تكشف ما خفي، وتُكذِّب أراجيف هؤلاء، وتُظهر مصداقية الجانب الذي قام بما قام به نصرة للأشقاء في اليمن، وتلبية لطلب رئيسهم الشرعي بالتدخل لإنقاذهم مما يفعله الحوثيون وأتباع علي صالح بالشعب اليمني بالوكالة عن إيران.
***
على أن التوسلات من الداعمين للحوثيين وعلي عبدالله صالح بإيجاد الحلول للوضع اليمني من خلال نافذة الحوار، وفتح المجال أمام الدبلوماسية والوساطات لمعالجة الوضع المتأزم، هي محاولات جاءت متأخرة وفي غير وقتها، وهي تثار الآن لإنقاذ الطرف اليمني المعتدي على الشرعية، وتبرئته مما تورط فيه، متناسين أن المملكة حاولت جهدها مبكراً بجمع الفرقاء بضيافتها على طاولة واحدة لإيجاد تفاهمات بينهم، تحول دون بدء عاصفة الحزم بعملياتها القتالية، غير أن المليشيات الحوثية والرئيس المخلوع وأنصاره أبوا ورفضوا أي خيار غير الحرب اعتماداً على دعم إيراني، توقعوا أنه سيتاح لهم فيما لو تطورت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، فإذا بهم يكتشفون الحقيقة التي يحاول الإعلام المأجور إخفاءها، قانعين بانتصارات وهمية تخدرهم، ويبيعها هذا الإعلام الرخيص عليهم.
***
أريد أن أسأل أخيراً: هل هناك من عاقل رشيد بين المليشيات الحوثية وأتباع الرئيس المخلوع؟ وإذا وُجد بينهم فأين هو من مغامراتهم، وسوء تصرفهم، واعتدائهم على الشرعية، واحتلالهم للمواقع والمؤسسات الحكومية؟ أين هو من كل هذا، ومن استيلائهم على المال العام، وأسلحة الجيش ومعداته، واختطافهم رموز السلطة، ووضعهم إما سجناء أو في الإقامة الجبرية، وفي غير ذلك؟!.. كيف يرضى بأن يتعرض الملايين من المواطنين للجوع والفاقة، وعدم التمتع بالحد الأدنى من الأمن؟ وكيف له أن يقبل بهذه البوادر لحرب أهلية، ربما تكون قادمة، فتأكل الأخضر واليابس، على غرار ما يجري في بعض الدول العربية الأخرى؟!
***
هي تساؤلات مشروعة، من مواطن عربي، أدمى قلبه ما يجري في اليمن، وأثار حزنه غياب العقلاء بين هؤلاء المخربين، وحرّك الألم في نفسه رؤيته لهذا الاختراق الإيراني المخرّب لكل ما فيه مصلحة لليمن الشقيق.. تساؤلات لا أنتظر إجابة عنها؛ لأن صقورنا البواسل يضعوننا يومياً في أجواء تجيب عن أي تساؤل يثار حول هذا التحرك السعودي والخليجي المبرر، ونتيجته الظاهرة والمؤكدة أن النصر الحاسم لإنقاذ اليمن وشعبه مما ابتلي به لن يطول انتظاره كثيراً.