عبدالعزيز السماري
لايوجد منطقة رمادية بين التأمين الصحي التجاري والتأمين الاجتماعي الحكومي، وذلك لأن التعريف ينطلق عادة من تفاصيل التطبيقات، فالتأمين التجاري حسب التعريف المتعارف عليها دوليا هو تقديم الخدمة الطبية التي تقوم على الغرض التجاري، وتقوم إستراتيجية عملها على أن شركات التأمين الخاصة تتلقى الأقساط التي تضمن تمويل تكاليف الرعاية الصحية للمشترك، بينما الرعاية الطبية الاجتماعية وغير الهادفة للربح تكون عبر برنامج التأمين الاجتماعي المدارة حكوميا، والتي تغطي المواطنين أو المقيمين بغض النظر عن مخاطرهم الطبية، وتستمر في تقديمها إلى ما بعد تقاعدهم مهما كانت درجة عجزهم.
لذلك أرى أن مجلس الضمان الصحي التعاوني الحالي عنوان يخالف مضمون تطبيقاته، والتعاون مصطلح شرعي تمت استعارته من الآية الكريمة{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، لكن عندما ألقي نظرة على التفاصيل لا أجد البر والتقوى والتعاون، ولكن يظهر لي صورة ناصعة الوضوح في التأمين الطبي التجاري، والذي ترعاه شركات تأمين خاصة وهادفة للربح، وتقدم الرعاية الصحية من خلالها مستشفيات خاصة وهادفة للربح، وبعض هذه المستشفيات يتم تداول أسهمه في السوق، وبعضهم أصبح ينافس المستشفيات الحكومية العملاقة في المباني والانتشار.
سبق وأن كتبت في مقال سابق أن التأمين الطبي التجاري لم يعد صالحاً للتطبيق كآلية لتقديم الضمان الصحي في العالم، وذلك لأن شركات التأمين التجارية تسعى دائما للحد من تعرضهم للمخاطر، وبالتالي تتفادى تأمين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وقد أثبتت فشلها في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جادل بعض المؤيدين لها في أمريكا أن الحكومة الاتحادية يجب أن تقدم إعانات لشراء التأمين التجاري لكبار السن المعرضين أكثر لمخاطر الأمراض المزمنة، ولكن مع ذلك أصبح واضحا للجميع بعد تقديم الإعانات فشل شركات التأمين في تحقيق الأرباح من خلال الآلية التجارية للضمان الصحي لكبار السن، لهذا تسعى الحكومة الأمريكية الفيدرالية بجهد للخروج من آليات المنطق التجاري للتأمين الصحي.
المحتوى التجاري الحالي لشركات التأمين التعاوني يدخلها في اقتصاد الظل، الذي يصنع الثروات من خلال مصطلحات وشعارات اجتماعية خيرية مثل التعاون، الدعم، المساعدة، المساندة، المؤازرة، مد يد العون والعمل الجماعي المشترك، بينما يدرك الجميع أنها شركات هادفة للربح وبعضها يوزع أرباحا لحملة الأسهم، ولا تعود هذه النوعية من الاقتصاد بأي عوائد على الاقتصاد الوطني، وقد تعتبر قانونياً وسيلة غير مشروعة للحصول على الأموال تحت عنوان «التأمين التعاوني».
لهذه الأسباب أطالب أولاً باستبدال مصطلح التعاوني إلى التجاري في مجلس الضمان وشركات التأمين، لاسيما أن أعضاء المجلس يتكون من ممثلين من القطاع التجاري ومن وزارة الصحة، والأكثر دلالة أن آليات التأمين الحالية تقوم على تحقيق الأرباح المادية من خلال بيع الخدمات الصحية، وتحت مظلة «التعاوني» قد يدخل هذا النشاط في أحد وجوه التستر التجاري في حال الاستمرار في استخدام مصطلح وهمي لا يعكس النشاط التجاري للتأمين، وقد تكون من خلال وضعها الحالي أشبه بشركات التوظيف المالي التي تستغل المصطلحات الدينية لتكوين الثروات الخاصة..
أو أن تعمل وزارة الصحة على إعادة دراسة الوضع غير الصحيح لمجلس الضمان التعاوني، وإلغاء التطبيقات التجارية الحالية، ثم استبدالها بمؤسسة حكومية عامة للتأمين الصحي الاجتماعي تابعة للحكومة على غرار مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وتقوم على مبادئ الضمان الاجتماعي، ولا تهدف للربح المادي، وتضمن من خلالها تقديم الرعاية الصحية مهما كانت المخاطر الطبية للمشترك، وبالتالي لا تصبح صحة الإنسان ومعاناته سلعة تجارية تُدار من خلال اقتصاد غير ظاهر، مكاسبه خاصة، ومآله تآكل المدخرات لذوي الدخل المحدود، وفي النهاية لا تعود مكتسباته المادية بالنفع الاقتصادي على الدخل العام للوطن.