د. محمد عبدالله الخازم
فرحت منطقة مكة المكرمة بعودة سمو الأمير خالد الفيصل، أميراً لها وهو صاحب مقولة الانتقال للعالم الأول. يحذوهم الأمل ليس فقط في حل مشاكل المنطقة التنموية المعتادة، بل في نقل مدنها وبالذات مدينة جدة لتكون في مصاف المدن العالمية المتقدمة. سؤال هذا المقال هو: ماذا تحتاج جدة لتكون مدينة متقدمة عالمياً، وليس محلياً فقط؟ كيف تكون مدينة منافسة وذات هوية وشخصية تذكر بها، وتتجاوز مجرد صفتها الوظيفية كبوابة للحجاج؟.
جدة تحتاج الكثير، لكنه ليس بالمستحيل متى وجدت الرؤية والإرادة والخطة اللازمة لذلك. قائمة الأفكار تطول، لكنني أطرح ما أراه الأهم، معتقداً بأن جدة جديرة بأن تكون في مصاف المدن العالمية.
«المواصلات عصب الحياة وفي مدينة تكتظ بالسكان وتفتقد النظام المروري الصارم، تتحول الحياة اليومية للناس والزوار إلى معاناة مستمرة لا تنتهي. ويزداد الأمر تعقيداً حينما يكون نصف المجتمع معتمداً على سيارات نقل (ليموزينات وسيارات خاصة) تفتقد عوامل السلامة والأمان والنظافة. إعلان تأسيس شبكة (مترو) في جدة، أمر جميل. لكنه ليس كل شيء في هذا الأمر، فالأمر العاجل هو إصلاح حال المرور بصفة عامة وفوضى النقل الخاص والعام، ليموزينات وسيارات نقل تسرح وتمرح دون تنظيمات ورقابة صارمة، تجعل الزائر يستخدمها مكرهاً، يضع يداً على قلبه وأخرى على أنفه. المدن العالمية التي يحبها الناس ذات نظم مرورية صارمة وواضحة، تريحهم في تنقلاتهم ولا تشعرهم بالقلق والخوف والإرهاق في تحركاتهم.
«جدة تسمى عروس البحر، لكنها أصبحت في قطيعة مع جمال البحر. لذلك هي بحاجة إلى إعادة استكشاف بحرها وجعله رمز جمالها بحلة فنية ورؤية تمازج بين إعادة الشواطئ لطبيعتها وإضافة الحلة الجمالية لها بشكل يتجاوز مجرد ممر مشاة مهترئ بجانب الماء.
«تقترن المدن بمهرجاناتها ومواسمها ومؤتمراتها الثقافية والفنية. جدة غنية بمثقفيها وفنانيها ومبدعيها مقارنة بمدن المنطقة، لكنها محرومة من الاحتفاء بإبداعاتهم، فضلاً عن الاحتفاء بمبدعي العالم. نراهم في مواسم المدن ، بينما في جدة لا نعرفهم سوى من خلال الديوانيات الخاصة وخلف الأبواب. جدة لا يوجد بها مركز ثقافي يليق بمدينة تبحث عن العالمية. جدة لا تحتاج مركزا ومتحفا، بل تحتاج مراكز ثقافية عدة تملأ عطش محبيها ، ساكنيها وزوارها للثقافة والفن والجمال.
«جدة بحاجة إلى جامعة ذات مواصفات عالمية (World Class University). يتم تأسيس جامعة جدة في الوقت الراهن و أخشى أنها لن تختلف عن أمها العجوز ومنتجاتها من الجامعات المحلية المتواضعة؛ ام القرى، الطائف، طيبة، الباحة. جدة بحاجة إلى جامعة عالمية مختلفة، تسهم في تخريج كوادر عالية التأهيل والتميز تسهم في الارتقاء بالمدينة بشكل مبدع. جامعة عالمية تكون محل استقطاب للمتميزين من الداخل والخـارج وتنافس مثيلاتها العالمية. المدن العالمية لا تكتفي بتخريج حملة الشهادات وإنما باستقطاب أفضل العقول النابغة وتخريج أفضل الكوادر المنافسة عالمياً.
«جدة لديها توأم سياحي جميل، ألا وهي مدينة الطائف. ستزداد روعة جدة والطائف، معاً، لو ربطـتا بقطار سريع يختصر المسافة بينهما إلى نصف ساعة أو أقل وتم تطوير الطائف لتكون في أبهى حللها مكملة لعروس البحر. بعض المدن تتألق بتكاملها مع مدن تجاورها. إضافة إلى تكامل جدة مع رابغ اقتصادياً، أرى بأنها ستزداد تألقاً بتكاملها السياحي مع عروس المصائف، الطائف...
«أخيراً جدة بحاجة إلى نموذج اقتصادي في إدارة الأفكار التي أشرنا إليها وغيرها. بحاجة إلى منح القطاع الخاص فرصة ليؤسس قطاراتها ومتاحفها ومراكزها بعيداً عن البيروقراطية الحكومية وانتظار التمويل الحكومي. النجاح العالمي الاقتصادي يكمن في استقطاب رؤوس الأموال وإدارة عجلة التنمية وفق عقلية احترافية متقدمة.