على امتداد تاريخ علاقة العرب بالاتحاد السوفيتي، ثم لاحقاً بروسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، ظلت العلاقات يشوبها شيء كثير من الغموض، وبالتالي انقسم العرب حولها إلى قسمين، بين مؤيد لها ومعارض يثير الشك حولها، بين من يرى أنه لا خيار لنا غيرها في ظل الدعم الأعمى من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، وبين من يشكك في نوايا وأهداف الاتحاد السوفيتي -روسيا- في علاقاتها بالعرب بأدلة دامغة، وأن أمريكا -على سوئها- هي الأرحم والأفضل لنا من روسيا الآن ومن الاتحاد السوفيتي من قبل.
***
في شأن إسرائيل واحتلالها لفلسطين مثلاً، فإن الموقف الروسي ظل مسالماً وحيادياً في أحسن الأحوال عند أي مناقشة في مجلس الأمن، فالفيتو الأمريكي جاهز دائماً - ولا يغيب- لمنع تمرير أي قرار يمس مصلحة إسرائيل، دون موقف يظهر فيه الروس ولو بكلام معسول لوسائل الإعلام عن عدم رضاهم على الموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل، ما يثير التساؤل: ماذا أفادت العلاقات الروسية- العربية إذاً في خدمة القضية الفلسطينية، طالما هذا هو موقف الروس كي يتحمس بعضنا لها، ويتعاطف مع مواقفها، خاصة إذا ما انتقلنا إلى أهم موقف تآمر فيه الاتحاد السوفيتي علينا خدمة لإسرائيل بشكل لا لبس فيه ولا غموض.
***
ففي حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل عام 1967م يتذكر بعضنا تلك التطمينات التي نقلتها قيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك إلى الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قبل أيام قليلة من بدء المعركة من أن تل أبيب لن تقدم على مهاجمة مصر، وأن على القاهرة في مقابل ذلك الالتزام بمبدأ التهدئة المطروح من الاتحاد السوفيتي بوصفه صديقاً لمصر، وإعطاء فسحة للدبلوماسية العالمية لتعالج التوتر القائم بين القاهرة وتل أبيب دون اللجوء إلى الاقتتال، وهي نصيحة صدقتها وقبلت بها مصر، فكان أن وجدتها القوات المصرية فرصة لها لتسترخي وتنام نوماً عميقاً ممتعاً بعد أيام من التعبئة لقتال منتظر، ومن ثم لتصحو بعد أن انتهى كل شيء بضربة إسرائيلية قاضية للطيران المصري وهو جاثم في المطارات، وباقي الخبر بتفاصيله ونتائجه التي خدم بها الاتحاد السوفيتي إسرائيل معروف بما لا يمكن إنكاره.
***
هؤلاء هم الروس، وهذه هي بعض مواقفهم من القضية الفلسطينية، أما موقفهم من العراق واحتلاله من إيران وقبلها من الولايات المتحدة الأمريكية فهذه قضية أخرى، ولا أدل على قبولهم وتفهمهم لهذا الوضع، بل وتشجيعه وربما دعمه، من التزامهم الصمت إلى اليوم على جرائم الحشد الشعبي الشيعي بحق المواطنين الأبرياء من السنة العراقيين الذين يقيمون في مناطق تم تحريرها من قبضة داعش، وقبلها عدم تحريك أي ساكن أمام جرائم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بحق كل من يعلو صوته ضد إيران، أو يطالب بحقوق المواطنة من السنة في ظل نظام فئوي ومذهبي وعنصري بامتياز.
***
دعك من سوريا - وهذه قضية أخرى - ودعم الروس لنظام المجرم بشار الأسد بالسلاح والعتاد للتصدي للجيش الحر، ومنع تمرير صدور أي قرار عن مجلس الأمن يدين النظام، ويسمح بالتدخل العسكري وفقاً للبند السابع، فقد استخدم الروس حق النقض (الفيتو) مرات كثيرة بشكل لا يمكن تفسيره إلا أنه امتداد طبيعي ومفهوم ومعتاد للمواقف الروسية المشبوهة الظالمة والمتسلطة بحق العرب، فهاهي الثورة في سوريا في عامها الخامس وربما لا تتوقف إلا بعد أن يتم تدمير كل شيء بالدولة، ويستشهد مئات الآلاف من المواطنين، ومثلهم من المصابين إن لم يكن بالملايين، فهل هذا هو ما تقدمه روسيا دعماً ومساندة وخدمة للعرب وتأكيداً على أنها الحليف والصديق والمدافع المخلص عن حقوقهم.
***
وها هي روسيا أخيراً تقف هذا الموقف المؤيد للانقلاب على الشرعية في اليمن، وتساوي بين عصابات علي صالح وعبدالملك الحوثي في أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن بالنظام الشرعي، رافضة أي مشروع لقرار يتم تبنيه من دول مجلس التعاون يراعي مصلحة الشعب اليمني ودول المنطقة، ويركز على وحدة اليمن واستقلاله واستقراره، ودعم الشرعية، وهو ما لا يروق لروسيا ومعها إيران، فماذا تريد روسيا من العرب، الذين ملوا من كلام مسؤوليها، وتورطوا بصداقاتهم معها، وآذاهم كثيراً ودائماً مواقفها من قضاياهم، ماذا تريد روسيا في موقفها الغريب وغير المفهوم من عاصفة الحزم، ومن التحالف الذي يريد أن يعيد لليمن عافيته واستقراره وأمنه ونظامه الشرعي المنتخب، نعم ماذا تريد؟!