ألم نسأل أنفسنا كعرب ذات يوم: من الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه كدول أصبحت مستباحة للغير، تجرَّب على أرضها الأسلحة، ويتدرب فيها الإرهابيون، وتنطلق منها المؤامرات، وتذوب فيها كل مقومات الدولة، ويختفي منها بفعل هذه المؤامرات كل أمل جميل كنا نتطلع إليه، ألم نتساءل: إن كان بعضنا يتآمر على بلاده، ويتعاون مع العدو، ويسعى للقضاء على كل ما فيه مصلحة لشعوبنا، من يكن هذا الذي وضعنا حيث نحن الآن إن لم يكن هؤلاء الخونة الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، وهم من لحمنا، يتحدثون لغتنا، وينتمون إلى جذورنا، لكنهم أبداً -مع شديد الأسف- لا يشعرون بهذه الانتماءات، ولا يرون أنفسهم جزءاً من التكوين البشري لهذه الأمة، فقد اشتروهم بالمال، وجرفتهم الأطماع، وصدقوا بأن أعداء أمتهم سيحققون لهم آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم.
***
هكذا انسلخ بعضنا من جلد أمته، وتوارى عن كل موقف نبيل للدفاع عنها، بل إنه سلَّم نفسه طواعية للعدو مجنداً للتآمر عليها، فهذا أغروه بالمال، وذاك اشتروه بالوعود البراقة التي تتناغم مع طموحاته المريضة، وهناك من لقنوه ثقافة ملوثة دفعت به إلى هذا الحريق الذي تعاني منه كثير من دولنا العربية، إنه مشهد لمؤامرة كبيرة يشارك فيها هؤلاء، مؤامرة تتكالب علينا بها كل قوى الشر من جميع دول العالم، وما كان لها أن تمر لولا هذه التسهيلات والتعاون والتقبل من نفر منا، بما يؤكد أن التحديات المقبلة أكبر وأخطر بكثير مما يحدث الآن، إن لم تتنبه الشعوب العربية وقادتها إلى ما تحمله هذه المخططات الاستعمارية من أهداف شديدة الخطورة، وبالغة التأثير على مستقبل دولنا وشعوبنا.
***
فـ(عاصفة الحزم) التي قادها الملك سلمان والموقف العالمي منها، وإن بدا مشجعاً ومرضياً، كون المملكة بعلاقاتها الدولية المتميزة قد حيّدت بعض الدول، واستقطبت تأييد ومشاركة البعض الآخر، فإن هذا لا ينبغي أن يُفهم على أن المؤامرات قد انتهت، وأن شهية الاستعمار بالعودة إلى منطقتنا لم تعد قائمة، فالأطماع في منطقة إستراتيجية بموقعها وغنية بثرواتها ستظل محل تنافس وصراعات بين الدول، غير أن تعاون العرب دولاً وشعوباً وحكاماً، والنأي بأنفسهم عن الخلافات والصراعات فيما بينهم، وعدم الاستسلام لأي أفكار يكون مصدرها دولاً ومنظمات لها أجندتها وأهدافها بما لا مصلحة لنا فيها هو الضمانة لبقاء دولنا بعيداً عن أي مخطط مشبوه لا يخدمنا.
***
فهل أدركنا ما بقي فينا من وعي وحافظنا عليه، لندير مصالحنا بعقولنا وجهدنا لا بما يرسمه العدو لنا، ومتى نفيق من هذا النوم الطويل، فنحرك بوصلة جهدنا نحو ما يحقق الخير لأمتنا، ويحمي دولنا من غزو استعماري جديد، وهل طرحنا مثل هذه الأسئلة وأجبنا عليها، وأخذنا من القرارات الإستراتيجية ما نصيب بها الهدف الذي يجسر ويعمق قوتنا الذاتية لحماية ما هو حق لنا من عدو مخيف يتربص بنا، وعدوان لا يغفل عنا، إنها أسئلة للعقلاء منا، ممن يسوءهم ما نحن فيه من هوان وضعف، لا إلى هذه الحفنة الرخيصة ممن ينتسبون إلى العروبة والإسلام، وهم يتآمرون عليهما.