د. عبدالرحمن بن محمد الغزي
هذه الحرب سببها الحوثيون ومن شايعهم، فما يحصل منها وفيها من تدمير وتشريد وتهديد ووعد ووعيد، وتهجير وتنكيد سوف يحاسبون عليه حساباً عسيراً، ويدعون ثبوراً، وينقلبون إلى أهليهم ومن غرر بهم ويصلون سعيرا، ذلكم أن المملكة وهي رب الحكمة والعقل والتعقل بقيادة قادة أصحاب ذهن يلقف وذوق يستدق وملكة إيمانية وبيانية.
وبصر بمذاهب الحرب حين تقرع الحرب طبولها تتشوف دائماً إلى حقن الدماء حتى مع غير المسلمين، نسمع ونقرأ ونتابع دائماً تصريحات خادم الحرمين الشريفين التي تؤكد هذا المنهج الحكيم.
إن المملكة في حضورها العالمي متوافرة، وفي قوتها المستمدة من الله زاخرة فكان دخولها للحرب بعد الضرورة هيناً، والعدو ليناً لا إرهاق فيه، ولا اعنات فيه لمحارب، وإذا كانت النتائج محسومة فقد يقول قائل: لماذا إذاً الدعوة إلى حقن الدماء والصلح، فنقول: نعم فالمملكة وإن كانت قادرة كل القدرة بعد الاعتماد على الله، إلا انها دائماً تغلب العقل على الجنوح إلى الجهل، والمتابع لتصريحات الأمير سعود الفيصل يدرك هذا حق الإدراك ويؤمن به حق الإيمان، لاسيما في مثل هذه الحرب الطرف الخاسر فيها يتمتع بخلق بال عقيم من فئة تحارب الله ورسوله وتسعى في الأرض فساداً، وهنا لا يسع العربي إلا أن يأسف لتمنع الطرف المقابل من قبول الحق والانصياع للعقل بل وتتقطع نفسه حسرات عليه جراء تلك الحرب الداء الخبيث العياء التي ألمت بشعب وفي كريم سببها طائفة لا تريد الخير لهذا الشعب، ولم يتقوا الله حق تقاته في النساء والشيوخ والأطفال، ولا أقول كل الحوثيين ننابذهم العداء، فمن لم يحمل السلاح ويقاتل فهم إخواننا في الدين وشركاؤنا في المصير.
ومجدي يدل بني خندف
على أن كل كريم يماني
إن الحوثيين - وخصوصاً من قاتلنا - ومن يقف وراءهم هم داء السلامة والائتلاف للأمة العربية، حتى لا يكاد يسلم منهم مسلم عربي فذهبوا بجمال التآلف والتآخي بين أفراد الأمة الواحدة وشوهوا خلقها وصاروا بها إلى حيث تنبو عنها الأحداق، وتتجافى عن العلاقة معها الأذواق، ويتخاذل الذهن، ويتراجع الفكر، وأنا أدري وغيري يدري حتى من إخواننا في اليمن أن مصدر هذا الداء وأن من تقع عليهم تبعة هذا الجرم هم فئة من الحوثيين ومن يقف خلفهم - عدونا وعدوهم - أما اليمنيون الكرماء الشرفاء من أبناء اليمن على اختلاف أطيافه بما في ذلك الحوثيون العقلاء فهؤلاء يفقهون الحديث ويعرفون نتائج الحرب وما تؤول إليه، ويعرفون مواقف المملكة عندما تكون الندبة إذا وقعت الجوائح.
إن الجهد المبذول والرأي المقبول من المملكة قبل وبعد الحرب ومحاولة الإصلاح ورأب الشق العربي أمر يقربه العالم أجمع فلا تكفير ولا طعن لمن لا يكفرنا ويطعننا ويطعن ديننا، بل ولا نضمر عداء لأحد.
إن هذه الحرب جاءت لإحقاق الحق، وهي قادرة على حسمها بأسرع وقت حتى وإن عظمت آثارها، إلا أنها راعت ما وجهت به قيادتنا من:
1- أن اليمنيين بمن في ذلك الحوثيون الذين القوا السلم إلينا أو لم يدخلوا الحرب معنا هم إخوة لنا يمثلون مع إخوانهم المسلمين أعظم تلاحم عربي وإسلامي.
2- رابطة النسب، فلا تكاد تجد بيتاً في اليمن أو في السعودية إلا وفيه سعودي أو يماني.
3- رابطة الدين، فلا نختلف على شيء من أمهات أصولنا في الدين.
4- رابطة العلم، أليس الحنبلي والزيدي والشافعي إخوة في العلم، فقهاً وتشريعاً.
5 - رابطة الجوار وهم من أحب الناس إلينا فنحن نعاملهم كما أمرنا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه).
أيها اليمنيون الازديون الأشاوس: إياكم إياكم أن تغتروا بأعدائنا وأعدائكم - أهل العمائم السوداء - كسواد قلوبهم أو أشد، فأنتم أهل الحكمة والعقل نريد لكم الخير كله والعزكله والغنى كله فنحن وأنتم جسد واحد، نألم كما تألمون ونرجو من الله ما ترجون، يقول الملك فيصل - رحمه الله - عنكم: (اليمني عربي مسلم نفتخر به، له طموحه وزهوه وكبرياؤه، فهم عباقرة الأمة وكبرياؤها).
نعم أيها اليمنيون: أنتم إخواننا في المصير فماذا يريد بعض الحوثيين منا ومنكم؟ ماذا يريد من يقف وراءهم؟ إنهم يريدون إيقاع العداوة والبغضاء بيننا وبينكم ولن يظفروا بهذا، يريدون تمزيق اليمن وتفريق اليمنيين ولن يظفروا بهذا.
ماذا يريد الفرس منا ومنكم؟ إنهم يريدون أن يلتقي المسلم مع أخيه المسلم ولن يظفروا بهذا لأنكم أهل حكمة وعقل.
أليس من يدعي الحق يكون أكثر استجابة لنداء الحق؟ أليس من الحزم أن يضبط الرجل أمره ويأخذ بالثقة؟
ألا يعلم أولئك أهل الفتنة أن كل مقاتل في العاصفة جواً وفي العاصفة أرضاً يمتطي حيزوماً من خيل الملائكة.
وحتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير ارجعوا إلى قول الله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (9) سورة الحجرات.
نعم يا أهل اليمن: أعرفكم وأعرف قامات منكم، شهد لكم التاريخ، وشهد لكم نبي هذه الأمة: (هاربون من الدنايا، طالبون للعلى، راغبون في المكارم، راهبون من الله).
لا تدعوا المفسدين يسعون في اليمن فساداً، فلا تسمعوا لدعاة الفتنة، الأكالون للسحت، فهؤلاء لا يزيدونكم إلا خبالاً ولا ينصرونكم، ولئن نصروكم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون، يقول فيكم المتنبي:
سل عن شجاعته وزره مسالما
وحذارثم حذار منه محاربا