لبنى الخميس
إنه عصر «السناب شات» التطبيق الأكثر نموا ً في منطقة الخليج، والذي يتيح لمستخدميه فرصة مشاركة متابعيهم فيديو قصير من 10 ثوانٍ، يصورون فيه تفاصيل حياتهم ببساطتها وتنوع أحداثها، يكون فيها صاحب الحساب هو المقدم والمخرج والعين السينمائية التي تلتقط، ترصد، وتوثق المشاهد، ومن ثم تحولها إلى تسجيل قصير.
إدارة التطبيق قررت -في بادرة جميلة- استحداث حساب جديد تتناول فيه أحداثاً تجرى خلال يوم واحد في عدد من مدن العالم الكبرى، مثل نيويورك، ولوس انجلوس، ولندن، وتورينتو، ودبي. يساهم في إثراء محتوى الحساب سكان أو زائري تلك المدينة فقط، اعتمادا ًعلى تقنية تحديد الموقع الموجودة في الهواتف المحمولة، عبر إرسال فيديوهات وصور لمشاهدات على الطريق كعروض موسيقية منفردة، أو احتفال بمهرجان محلي، أو لأشخاص يمارسون الرياضة في الحدائق العامة أو الشواطئ، بالإضافة إلى إظهار أهم معالم تلك المدن، كساعة «بيج بين» في لندن، و»التايم سكوير» في نيويورك، وبرج خليفة في دبي.
الرياض، حلّت ضيفة على العالم أيضاً عبر إحدى الحسابات التي خصصت لها الجمعة الماضية، ليجد السعوديون أنفسهم أمام فرصة نادرة لمخاطبة العالم، عبر إحدى أشهر نوافذ الإعلام الجديد، وأكثرها تأثيرا، ما دفع عدداً كبيراًمن سكان العاصمة للمساهمة في صياغة هذا الخطاب الصوري، ومشاركته ملايين المستخدمين من مختلف الجنسيات والثقافات.
فسطعت جوانب متعددة من طبيعة الحياة في الرياض منها، فيديو لرقصة العرضة الشعبية وهي تقام في إحدى المناسبات الخاصة، وفيديو آخر تصدح فيه جماهير فريق الهلال بأصوات مشجعة وسط المباراة، بالإضافة إلى عدد من الفعاليات العائلية والاجتماعية، في حين ظل وجه المرأة غائباً عن المشاركة في أي من تلك الفيديوهات، إلى جانب السياح أو الزوار أو حتى الوافدين، ما يعني نجاح الفيديو في إظهار التقسيم الاجتماعي الحقيقي للمدينة وسيطرة الذكور على الفضاء الافتراضي السعودي.
ما لفت انتباهي في التغطية التي جرت للحساب، وما صاحبها من ارتباك وضغط نفسي، هو الوعي المتزايد لدى الشعب السعودي بأهمية تقديم محتوى جيد، وصورة راقية عن عاصمتنا الرياض. هذا الجيل هو نفسه من يتقن استخدام التطبيقات الاجتماعية العصرية، ويدرك قوة الفرص التي توفرها للتواصل والتفاعل مع العالم، كما أن جزءاً كبيراً منه تلقى تعليمه في أمريكا وأوروبا وأستراليا وغيرها من دول العالم، وعانى الأمرّين من تشوه صورة المملكة أحياناً وارتباطها إما بمفاهيم سياسية، أو صور نمطية «stereotype».
اللافت للنظر كذلك، هو اختيار الرياض إلى جانب تلك المدن العالمية الكبرى، وفي هذا التوقيت بالذات، ما منح شعورا ًغامرا ً بالفخر والاعتزاز، فمن مدينة طارئة نبتت ببطء وسط صحاري نجد الحارة، ونمت بين أسوارها أزقة ودكاكين صغيرة في أحياء شهيرة كالملز والبديعة والناصرية، يتوسطها بيوت أهل الحارة الطيبين، إلى عاصمة سياسية حازمة، ومركز اقتصادي وعالمي مؤثر، ومدينة طموحة تصبو نحو نهضة تنموية شاملة وفضاء مدني متكامل الخدمات، بمشاريع واعدة مثل مترو الرياض، ومدينة الملك عبد لله المالية، كل تلك النهضة التي لامست عروق وشرايين الرياض، جرت تحت يدي الأب الروحي الذي عشق مدينته وأهداها أغلى سنين عمره حينما كان حاكمها المتواضع القريب من أهلها والعارف لتاريخها والمخطط لمستقبلها الملك سلمان حفظه الله.
أخيراً.. المدن هي حاويات لثقافة وذاكرة وطبائع سكانها عبر السنين، وتقديم المدن عبر الفضاء الافتراضي وبإحدى منصات الإعلام الجديد، فكرة عميقة تقرب البعيد، وتحول العالم فعلاً إلى قرية صغيرة، ما حدث مع الرياض، وتر سكانها، كمداهمة ضيف مهم لبيتك في يوم غير متوقع، فما بالك لو كان هذا الضيف هو «العالم»، الارتباك طبيعي، وعاصمتنا مازال أمامها طريق طويل للتطوير والتحسين، لكن اختيارها بين تلك المدن، بحد ذاته مدعاة للسعادة والفخر.