عبدالعزيز السماري
للمرة الثانية خلال فترة قصيرة خرج حسن نصر الله من خلال شاشة تلفزيونية ليقدم إيجازاً طائفياً عن الأحداث العربية، وليعبر عن استيائه المرير من عاصفة الحزم. ويتزعم السيد حسن حزب الله منذ 1992، وقد كان تشكيل الحزب إفرازاً سياسياً مستورداً لمرحلة المقاومة العربية اللبنانية الناجحة ضد الغزو الإسرائيلي. وقد نجحت سياسة تصدير الثورة الإيرانية الطائفية في اختزال النصر اللبناني في الجنوب في جسد حزب الله، كما نجحت أيضاً في إضفاء صبغة فارسية ذات نبرة طائفية على إنجاز المقاومة العربية..
يظهر ذلك بوضوح في الزي والتنظيم العسكري، ومشاهد اللطم المسلح. والحزب في صورته الحالية يتكون من مليشيا مسلحة وقيادة سياسية تقدم ولاء خالصاً وأعمى للمرشد الإيراني، وتتسم بالسرية التامة في تشكيلاتها العسكرية، وتسعى إلى أن تكون سلطان «الدولة» السياسي والعسكري القائم على أنقاض الدولة العربية في لبنان، وقد نجحت في إحكام القبضة الأمنية على لبنان. ومع ازدياد نفوذ الحزب أصبحت الأحزاب السياسية اللبنانية تحسب له ألف حساب، وتخاف كثيراً من غضبة السيد في شوارع بيروت الضيقة.
كان حسن نصر الله قبل الثورة السورية يتمتع بمهارات سياسية عند تناول الأحداث اللبنانية والعربية، من أهمها القدرة في إخفاء النبرة الطائفية، فهو كان يذكر الأشياء بمسمياتها، ويتحدث بلغة سياسية حديثة مثل الديمقراطية والحقوق والحرية للشعوب والمقاومة الوطنية، وكان لا يتعرض للرموز الإسلامية بالتجريح أو السب والشتم والتكفير لكبار الصحابة، وقد كان ذلك أحد أهم الخلافات الجذرية في أدبيات الصراع السني الشيعي..
لكن يبدو أنه فقد شيئاً من ذلك التوازن في خطابه السياسي، عندما نصب حزبه ومرجعيته في مهمة الدفاع عن هجمات التكفيريين في العالم الإسلامي، بينما يدرك جيداً أن خلق مليشيا طائفية مسلحة في لبنان أيقظ التطرف السني التكفيري من سباته التاريخي، كذلك هو يدرك جيداً أن مرجعيته المتطرفة تستمد تطرفها الطائفي من تاريخ الكراهية، ولا تختلف كثيراً عن مرجعيات التطرف السني التكفيري، فهما وجهان لخطاب التطرف الطائفي في التاريخ الإسلامي، ووقود متفجر في ميدان الصراع الطائفي الذي يجري في سوريا والعراق، وتشارك فيه الأحزاب الشيعية والسنية المتطرفة، ومنهم حزب الله.
يمثل حزب الله في لبنان قصة نجاح لما يُطلق عليه بتصدير الثورة الطائفية في إيران، التي منذ انطلاقها عام 1979م خططت لتكوين جيوب سياسية مسلحة في البلاد المجاورة، منها على سبيل المثال حركة «نهضة الفقه الجعفري» الباكستانية المسلحة، ويدخل فيها أيضاً الأحزاب الشيعية العراقية المسلحة والمدعومة من إيران، وتقاتل على الأرض. وكان الحراك الإيراني الطائفي المسلح دعوة لإيقاظ الفتنة الطائفية، ولإعلان ظهور الفكر القاعدي الدموي في المنطقة في عام 1998.
كانت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن نموذجاً آخر في طور الإعداد لتصدير الثورة المتطرفة في إيران من خلال خلق مليشيا مسلحة على غرار حزب الله، يتم تأهيلها بالأسلحة والعتاد؛ لتتمكن من فرض الواقع الإيراني في الساحة اليمنية، وكانت في طريقها إلى ذلك لولا تحرك دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مقاومة النفوذ الإيراني المسلح في اليمن، وهو ما فتح المواجهة المباشرة بين العرب والاختراق الإيراني في المنطقة العربية، وقد كان حراكاً متأخراً، بعد أن دخلت الجبهات السنية المتطرفة والدموية في خط مواجهة المد الإيراني المتطرف، وقد نحتاج إلى معجزة لإعادة المنطقة إلى ما قبل زمن الانفلات الثوري الطائفي.
حزب الله اللبناني في إطاره الإيراني والطائفي الحالي لن يقلل من انتصار المقاومة العربية في الجنوب اللبناني ضد إسرائيل، لكن الحزب في ممارساته وسياسته الحالية في لبنان وسوريا يمثل نموذجاً بائساً لمستقبل المنطقة العربية التي تخضع للوصاية الإيرانية، وتُدار من طهران، فإيران الطائفية رأت في نجاح حزب الله اللبناني في فرض سيطرتها على الدولة اللبنانية الحديثة فرصة لتكرار التجربة في اليمن وغيرها، ثم تعميمها في بقية البلاد العربية، لكن ما يغيب عنهم جميعاً أنهم بذلك قد أحيوا الفتنة الطائفية التاريخية من مرقدها، والله على ما أقول شهيد.