أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
وفي صحيح البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله، وَالله أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ، وَتَوَكَّلَ الله لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ، بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
وفي صحيح البخاري عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ، لَهُ عِنْدَ الله خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى».
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»، فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله، فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله».
وفي صحيح مسلم عَنْ مَسْرُوق بن الأجدع، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ الله عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً»، فَقَالَ: «هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا». وغير ذلك من الأحاديث وهي كثيرة جداً.
وإنه لمن الغبطة لجنودنا البواسل، والأسود الأبطال مشاركتهم في هذا الجهاد الشرعي -عاصفة الحزم- فالواجب عليهم إحسان القصد والاحتساب وإخلاص النية لله تعالى في جهادهم، واستشعارهم أنهم يجاهدون لإعلاء كلمة الله تعالى، وينصرون التوحيد والسنة، ويحمون الحرمين الشريفين، ويدافعون عن المسلمين، وينصرون المستضعفين، ويحقنون دماء المعصومين من المؤمنين، ويردعون المجرمين المعتدين، الغلاة المتطرفين، والخوارج المبتدعين، ويوقفون الضالين المضلين، ويقطعون الطريق على المفسدين، ويدعون إلى الإيمان والإسلام، وينشرون العدل والسلام، ويحيون الحق ويحمون الذمار والديار.
ولابد من الاجتهاد والسعي في طلب النصر والتمكين، والتغلب على أعداء الملة والدين، فإنكم أيها الجنود بين حسنيين إما النصر أو الشهادة، قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 51، 52]، وقال تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آل عمران: 157]، وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ وَأَنَّ الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 169 - 172]، وقال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].
وفي صحيح البخاري عن سَمُرَةَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَالاَ: أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ».
وإليك أخي المجاهد في سبيله شيئاً من فتاوى بعض علمائنا المعاصرين في الجهاد والمجاهدين:
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع فتاواه (2/ 212): (وجانب آخر مهم في الإسلام يجب أن يهتم به المسلمون وهو: الجهاد في سبيل الله لما يترتب عليه من عز المسلمين وإعلاء كلمة الله وحماية أوطان المسلمين من عدوان الكافرين، ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» وفي المسند وجامع الترمذي بإسناد صحيح عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة خطبها بعدما بايعه المسلمون لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل. ففي الجهاد إحقاق للحق وإزهاق للباطل وإقامة لشرع الله وحماية للمسلمين وأوطانهم من مكائد أعدائهم).أهـ
وقال ابن باز أيضاً في مجموع فتاواه (2/ 416- 420) بعد ذكر جملة من الآيات في فضل الجهاد في سبيل الله: (أيها المجاهدون لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآيات فضل الجهاد وعاقبته الحميدة للمؤمنين وأنها النصر والفتح القريب في الدنيا مع الجنة والرضوان من الله سبحانه والمنازل العالية في الآخرة، ودلت الآية الثانية وهي قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} على وجوب النفير للجهاد على الشبان والشيوخ إذا دعى الواجب لذلك لإعلاء كلمة الله وحماية أوطان المسلمين وصد العدوان عنهم، مع ما يحصل بالجهاد للمسلمين من العزة والكرامة والخير العظيم والأجور الجزيلة وإعلاء كلمة الحق وحفظ كيان الأمة والحفاظ على دينها وأمنها، وأخبر سبحانه في الآية الثالثة والرابعة أن الجهاد في سبيله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بالصلاة والطواف ونحو ذلك، وأن أهله أعظم درجة عند الله وأنهم الفائزون، كما أخبر سبحانه أنه يبشرهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، وأخبر في الآية الخامسة أنه مع المتقين، والمعنى: بنصره وتأييده وحفظه وكلاءته لهم.
وقد ورد في القرآن الكريم من الآيات الكريمات في فضل الجهاد والحث عليه والوعد بالنصر للمؤمنين...، سوى ما تقدم ما يملأ قلب المؤمن نشاطاً وقوة ورغبة صادقة في النزول إلى ساحة الجهاد والاستبسال في نصرة الحق ثقة بوعد الله وإيمانا بنصره ورجاء للفوز بإحدى الحسنيين، وهما: النصر والمغنم، أو الشهادة في سبيل الحق، كما قال الله عز وجل: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقال عز وجل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} إلى أن قال سبحانه: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} ففي هذه الآيات التصريح من الله عز وجل بوعد عباده النصر على أعدائهم والسلامة من كيدهم مهما كانت قوتهم وكثرتهم؛ لأنه عز وجل أقوى من كل قوي وأعلم بعواقب الأمور وهو عليهم قدير وبكل أعمالهم محيط، ولكنه عز وجل شرط لهذا الوعد شرطاً عظيما وهو الإيمان به وتقواه ونصر دينه والاستقامة عليه مع الصبر والمصابرة، فمن قام بهذا الشرط أوفى لهم الوعد وهو الصادق في وعده: {وَعْدَ الله لَا يُخْلِفُ الله الْمِيعَادَ} ومن قصر في ذلك أو لم يرفع به رأساً فلا يلومن إلا نفسه.
وينبغي لك أيها المؤمن المجاهد أن تتدبر كثيراً قوله عز وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} إنها والله كلمة عظيمة ووعد صادق من ملك قادر جليل، إذا صبرت على مقاتلة عدوك وجهاده ومنازلته مع قيامك بتقوى الله عز وجل وهي: تعظيمه سبحانه والإخلاص له وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والحذر مما نهى الله عنه ورسوله، هذه حقيقة التقوى والصبر على جهاد النفس لأن الله سبحانه قد أمر بذلك ورسوله.
ونص سبحانه على الصبر وإفراده بالذكر لعظم شأنه وشدة الحاجة إليه، وقد ذكره الله في كتابه الكريم في مواضع كثيرة جداً، منها: قوله جل وعلا: {وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء هو خيرا وأوسع من الصبر» فاتقوا الله معاشر المسلمين والمجاهدين في ميادين الحرب وفي كل مكان، واصبروا وصابروا في جهاد النفس على طاعه الله وكفها عن محارم الله، وفي جهادها على قتال الأعداء ومنازلة الأقران وتحمل المشاق في تلك الميادين المهولة تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع، وتذكروا أسلافكم الصالحين من الأنبياء والمرسلين وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم أجمعين ومن تبعهم من المجاهدين الصادقين فلكم فيهم أسوة وفيهم لكم عظة وعبرة، فقد صبروا كثيراً وجاهدوا طويلا ففتح الله بهم البلاد وهدى بهم العباد، ومكن لهم في الأرض، ومنحهم السيادة والقيادة بإيمانهم العظيم وإخلاصهم لمولاهم الجليل وصبرهم في مواطن اللقاء وإيثارهم الله والدار الآخرة على الدنيا وزهرتها ومتاعها الزائل، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال جل شأنه: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل «أي العمل أفضل؟ قال «إيمان بالله وبرسوله « قيل ثم أي يا رسول الله؟ قال «الجهاد في سبيل الله» وقال صلى اله عليه وسلم: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة». وقال صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» وسأله صلى الله عليه وسلم رجل عن عمل يعدل فضل الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر وتقوم فلا تفتر فقال السائل ومن يستطيع ذلك يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنك لو طوقت ذلك لم تبلغ فضل المجاهدين» الحديث. والأحاديث في فضل الجهاد والحث عليه وبيان ما وعد الله به أهله من العزة في الدنيا والنصر والعواقب الحميدة، وما أعد لهم في الآخرة من المنازل العالية في دار الكرامة كثيرة جدا).أهـ
وقال ابن باز أيضًا في مجموع فتاواه (2/ 427): (فاستعينوا بالله أيها المجاهدون واستقيموا على أمره وأعدوا لعدوكم ما استطعتم من قوة، واصدقوا الله يصدقكم وانصروه ينصركم ويثبت أقدامكم واحذروا الكبر والرياء وسائر المعاصي، واحذروا أيضاً التنازع والاختلاف وعصيان قادتكم في تدبير شئون الحرب وغير ذلك ما لم يكن معصية لله عز وجل عملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {وَأَطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله وَالله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}).
وسئل ابن باز كما في مجموع فتاواه (18/ 92) بما نصه: أبناؤكم المرابطون على الجبهة يسألون سماحتكم عما إذا كان لهم أجر المرابط في سبيل الله.. وأنتم تعلمون أنهم يواجهون عدوا ثبت من سلوكياته أنه لا يرعى عهداً ولا يحفظ حقا..؟ ويسألون أيضاً هل يدخل في الجهاد الدفاع عن الوطن والعرض والممتلكات؟ كما يأملون توجيه نصيحة لهم؟.
فقال في جوابه على ذلك: (قد دل الكتاب والسنة الصحيحة على أن الرباط في الثغور من الجهاد في سبيل الله لمن أصلح الله نيته؛ لقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان» رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها». وفي صحيح البخاري رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار». ولا شك أن الدفاع عن الدين والنفس والأهل والمال والبلاد وأهلها من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك وهو مسلم يعتبر شهيداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». ونوصيكم أيها المرابطون في الجبهة بتقوى الله والإخلاص لله في جميع أعمالكم، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، والإكثار من ذكر الله عز وجل، والاستقامة على طاعة الله ورسوله، والحرص على اتفاق الكلمة، وعدم التنازع، والصبر والمصابرة في ذلك بنفس مطمئنة، وحسن الظن بالله، والحذر من جميع معاصيه. ومن أجمع الآيات فيما ذكرنا قوله عز وجل في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} سدد الله خطاكم وثبتكم على دينه، ونصر بكم وبمن معكم الحق، وخذل بكم الباطل وأهله، إنه ولي ذلك والقادر عليه).أهـ من فتاوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله.
وسئل فضيلة شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين كما في مجموع فتاواه (25/ 310) بما نصه: ما حكم الدفاع عن الوطن؟
فقال في جوابه على ذلك: الدفاع عن الوطن ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: دفاع عن الوطن من حيث إنه وطن، فهذا ليس في سبيل الله عز وجل، ويستوي فيه الكافر والمؤمن، حتى الكافر يدافع عن وطنه.
القسم الثاني: أن يدافع عن وطنه؛ لأنه وطن إسلامي فحينئذٍ يكون دفاعه جهاداً في سبيل الله عز وجل؛ لأنه يقاتل دفاعاً عن الإسلام، وخوفاً من أن يستولي على البلاد أهل الكفر فيُغَيّر منهج البلاد الإسلامية.