عبدالعزيز السماري
انتشرت في الآونة الأخيرة أخبار عن اعتداءات متبادلة بين رجال الهيئة وأفراد من المجتمع، كان آخرها إطلاق نار على رجل للهيئة مساء السبت الماضي في أحد أحياء الرياض، وتبين لاحقاً حسب تقرير الشرطة أنه صاحب سوابق، وأثار الحدث زوبعة من المطالبات في الحوارات الجانبية في مواقع التواصل الإجتماعي، كان أهمها تسليح الهيئة، وطالب آخرون بإلغائها، بسبب ازدياد حوادث العنف بين أفرادها وأفراد المجتمع، وقبل بثلاثة أشهر تداول المجتمع صوراً لمواطن تعرض لضرب مبرح من رجل للهيئة، كانت سببا لدخوله المستشفى، ومقطع آخر لغضب رجل هيئة على فتاة بسبب تصويرها له، ولو أجرينا بحثا على أحداث المجتمع خلال السنوات الماضية لربما خرجنا باستنتاج مفاده ازدياد العنف المتبادل ضد رجال الهيئة، وسأوجز لكم أمثلة على حوادث الاعتداء على رجال الهيئة المنشورة على صفحات الإعلام خلال قرابة عام ونيف:
الاعتداء على عضو بـ «الهيئة» في أحد رفيدة(عكاظ 22 فبراير 2014)، متحرِّش بالنساء يعتدي بالضرب على عضوَي هيئة ورجل أمن (سبق 07 مارس 2014)، سيارة عضو «هيئة « تتعرض لتخريب بمادة «الأسيد في حائل (أخبار 24، 09 مارس 2014)، شاب يطلق النار على رجال الهيئة أثناء محاولة القبض عليه ( أخبار 24، 13 أبريل 2014)،هارب يعتدي على فرد بـ «الأمر بالمعروف» بالضرب والدهس بصامطة ( سبق 17 أبريل 2014)، جازان: الإيقاع بمواطن دهس عضو «هيئة» لدى ضبطه في وضع مخل (أخبار 24 22، أبريل 2014)، مواطن يعتدي بالضرب على رجل أمن وعضو هيئة ببريدة (أخبار 24، 17 مايو 2014 )، السيطرة على وافد طعن أحد رجال «الهيئة» وكسر أصبعه أثناء ضبطه مع طالبة ثانوية (أخبار 24، 05 يونيو 2014 ).
إيقاف مسن «المشعلية» وأبنائه المعتدين على عضو الهيئة (الوطن 17 يونيو 2014)، مجهولان يطلقان النار على عضو هيئة بطريق الخرج (تواصل 23 يونيو 2014 )، عضو هيئة يتعرض لتهديد بالطعن بعد ضبطه شابا وفتاة في خلوة غير شرعية شرق الرياض ( أخبار 24، 14 يوليو 2014)، الرياض: فتاة تقذف حذاءها في وجه أعضاء بـ»الهيئة» بالرياض وتصفهم بـ»الدواعش» (أخبار 24، 05 سبتمبر 2014 )، تعرض عضو بـ»الهيئة» للضرب وإطلاق النار وضبط 6 متورطين وملاحقة 9 آخرين (عكاظ 30 ديسمبر 2014)، «هيئة جازان» تؤكد طعن أحد أعضائها في الخوبة ( سبق 21 يناير 2015 ).
قيل العنف لا يولد إلا العنف، ولو رجعنا لسيرة سلوك بعض رجال الهيئة منذ الصحوة الإسلامية لأدركنا أن ثمة تغييرات طرت على أساليب الدعوة في المجتمع، فالرفق الذي كان يميز « المطوع « كما نتذكره اختفى، وظهرت مجموعات تؤمن بالعنف لإزالة المنكر، ولعل البعض يتذكر المطاردات في الرياض القديمة، وملاحقة الشباب وحلق شعورهم في الشوارع، ثم تشويه أشكالهم لئلا لا يكونوا فتنة للنساء في الأسواق، ثم تطور السلوك إلى المداهمات والقبض على الشباب، ثم توقيعهم في محاضر على مخالفاتهم «الشرعية» حسب تقدير رجال الهيئة، وكانت النتيجة فتح أبواب الصراع بين المجتمع وبين الهيئة، وقد أفهم القلق عند بعض أفراد المجتمع، وهو الخوف من الفضيحة والتشهير ومن توثيق مخالفاتهم أو معاصيهم في محاضر جنائية، وهو ما يثير سلوك العنف المضاد تجاه الهيئة.
من أسباب تلك الظاهرة إسترجاع القراءة المتشددة في المجتمع، وهي التحوط في الدين بزيادة مساحات الحرام في السلوك الاجتماعي، نتج عنه زيادة المواجهات بين المجتمع ورجال الهيئة في الأسواق والشوارع، وساهم في زيادة وتيرتها تجاوزها للمحضورات الشرعية، فقد كانوا على سبيل المثال يلاحقون النساء الكاشفات لوجوهم، ويهاجمون محلات الموسيقى والفيديو برغم من حصول أصحابها على ترخيص رسمي، ومع ذلك لا يتم تعويضهم على الخسائر المادية، وقد أستطيع القول إننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة في العنف والعنف المتبادل، ويحتاج الأمر إلى مراجعة الأمر قبل انتقالها إلى مراحل أشد خطورة، وقد نحتاج إلى تنظيم الأمور من وحي القراءات المدنية للدين، وليس من تراث التشدد والجمود والعنف.
هذا العنف والعنف المتبادل يخالف مبادئ الإسلام، «إن الله رفيقٌ يحبٌ الرفق في الأمر كله».و: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه، و»إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ «، هذا ما تعلمناه من الدين منذ الصغر، لكن ثمة متغيرات طرأت على قراءات الدين في الزمن المعاصر، فالقراءة التكفيرية و الدموية عادت بعد حضور الإسلام السياسي القوي في المجتمع، ولعل ما نشاهده وما نسمع منه دموية من قبل الجماعات التكفيرية في عدد من الدول يفسر انتشار ظاهرة العنف والعنف المتبادل في المجتمع..
يبدو أن هناك ثمة علاقة مشتركة بين ظاهرة إزدياد نبرة العنف في المجتمعات الإسلامية، و استرجاع القراءة المتشددة للدين، ويحتاج الأمر إلى ضبط قانوني إن صح التعبير، على أن يتم الفصل بين القضايا الجنائية، وقضايا المخالفات الإخلاقية، والتي تحتاج إلى تنظيم تشريعي لا يؤدي إلى التصادم والعنف، وقبل ذلك إلى رصد المخالفات ثم الرجوع إلى القاضي لإصدار أمر بالقبض على المخالف بدلاً من مطاردته في الشوارع، أو الدخول إلى منزله بدون استئذان لضبط مخالفته الأخلاقية، وهو ما قد يؤدي إلى ردة الفعل العنيفة خوفاً من الفضيحة والتشهير، كما حدث في كثير من الحوادث المنشورة، والله على ما أقول شهيد.