د.محمد الشويعر
شخصية إسلامية فذة, وأول صبي يدخل الإسلام بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وزوج ابنته فاطمة التي ولدت له سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين رضي الله عنهما, سيدَي شباب أهل الجنة.
فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي, أمير المؤمنين, رابع الخلفاء الراشدين, الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية لأمته: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها, وعضوا عليها بالنواجذ».
ومن العشرة المبشرين بالجنة, وأحد الشجعان الأبطال، يكفيه فخراً ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات: «إني معط الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله, ويحب الله ورسوله» قال الراوي: فبات الناس يدوكون ليلتهم كلهم يرجو أن يعطاها.. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر قال: أين علي؟ فقيل: إنه يشتكي وجعاً بعينيه, فدعا به فلما جاء بصق في عينه ثم دعا له, فبرأ كأن لم يكن به وجع.. ثم أعطاه الراية وقال: على رسلك - أي على مهلك - ثم أوصاه ودعا له وقال: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم».
وذكر المؤرخون أنه أبلى بلاء حسناً في غزوة خيبر, وأظهر شجاعة متناهية, وفتح الله على يديه بعض حصونهم.. ومما روي: أنه في معركة من المعارك هناك, سقط منه الترس الذي كان يتوقى به ضربات عدوه, فتناول باباً كان قريباً منه فجعله ترساً له.. فلما انتهت المعركة رماه, يقول الراوي: فجاء خمسة ليرفعوه فلم يستطيعوا لثقله.. وهذا ما يعرف علمياً باسم القوة الكامنة عند الإنسان, عندما يقوم به فقط, أو يكون في موقف صعب, فإن قوته تزداد, وينسى نفسه, وتبرز الشجاعة والقوة رغبة في التغلب على الخصم. بحيث لا يحس بمن حوله.
كان منذ صغره يعيش في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان أول الناس إسلاماً بعد خديجة, وقد ولد بمكة, وكان ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال لعلي: أنت أخي, وقد ولي الخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.
وحصلت في عهده فتنة بين الصحابة حول الخلافة, ووقعت بينهم معركتان: صفين والجمل. علي في جانب وآخرون في الجانب الآخر, وقد خاض فيها من خاض, لكن أهل السنة والجماعة يقولون: نترضّى عنهم جميعاً فهم صحابة رسول الله, وخير القرون بعد رسول الله, وحملة علم النبوة لمن جاء بعدهم, فنرجو لمحسنهم الخير لأنه مجتهد, ولمسيئهم المغفرة لأنه مجتهد أيضاً, ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لن يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ونسكت عما دار بينهم، وكانت له معركة في عام 38هـ مع الخوارج تسمى وقعة النهروان.. وفرح علي رضي الله عنه عندما رأى علامة أخبرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زعيمهم بعدما قُتل ذو الثدية.. أي علامة فيه تشبه الثدي «ثدي المرأة».
وكانوا قد كفّروا علياً بقبوله التحكيم, ودعوه إلى التوبة, كفروا بعض الصحابة, وقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت, صبراً, فقاتلهم علي وقتلهم جميعاً وكانوا ألفاً وثمانمائة, وخرج بعدهم من أحيى مذهبهم نسأل الله السلامة والعافية من الفتن.
وجعل علي دار خلافته الكوفة, وأقام فيها إلى أن قتله الخارجي: عبد الرحمن بن ملجم غيلة في 17 رمضان سنة 40هـ, واختلف في مكان قبره.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 586 حديثاً, وكان نقش خاتمه «الله الملك».
وقد جمع ابن أبي الحديد خطبه وأقواله ورسائله في كتاب سمي: نهج البلاغة وقد طبع, لكن بعض الباحثين يشك في نسبته إليه, لما فيه من أمور ينكر العقل أن تكون لعلي رضي الله عنه.
وكذلك ما جمع: مما يرويه القصاصون من حكايات وأشعار منسوبة إليه وقد سُمي بديوان علي وقد رأيته مطبوعاً, فإن معظمه إن لم يكن كله, مدسوس عليه, وقد غلا الجهلة, وجعلوه إلهاً مع الله وهو حي, فأوقد النار فيحرقهم, وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً
أوقدت ناري ودعوت قنبراً
وقنبر هو مرافقه, فبدأوا يتهافتون فيها, ويقولون: لا يحرق بالنار إلا رب النار, فأمر رضي الله عنه بإطفاء النار, وبدأ يعاقبهم بما يتفق مع شرع الله.
ولم يتزوج ثانية إلا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها, حتى إنه قد قيل له 28 ولداً منهم 11 ذكراً و 17 أنثى وكان عمره عندما توفي 63 عاماً, بمثل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر أبي بكر وعمر عمر بن الخطاب, لأن كلا منهم رضي الله عنهم توفي وعمره 63 عاماً.
ويقال: إنه قد أقيم في بلاد فارس في مدينة همذان عام 1343هـ تمثال في مكان بارز ولو كان حياً رضي الله عنه لأزاله وعاقب من فعله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه بقوله الكريم: «لا ترى قبراً مشرفاً إلا سويته, ولا صورة إلا طمستها» والتمثال أشد من الصورة. وقد صدرت كتب في سيرته منها: الإمام علي, لعباس محمود العقاد وطبع, وعلي بن أبي طالب لحنا تمر وقد طبع, وعلي بن أبي طالب لفؤاد أفرام البستاني مطبوع.. علاوة على ما جاء من أخباره في الروض الآنف للسهيلي, ونهج البلاغة, لابن أبي الحديد وسير أعلام النبلاء للذهبي, وأسد الغابة لابن الأثير, والطبقات الكبرى لابن سعد. وغيرهم.
وبعد أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة, أقام فترة ينتظر مجيء جبريل عليه السلام فأمره أن يخرج من مكة بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة, حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي وأرادوا برسول الله ما أرادوا -كما قال ابن الأثير- أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن يبيت في مكانه, الذي يبيت فيه, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فأمره أن يبيت على الفراش الذي ينام عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, ويستجي ببرد له آخر, ففعل. وأمر أن يؤدي إلى كل ذي وديعة حقه, ففعل.. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعداء راصدون له على الباب, فذر على رؤوسهم التراب وتجاوزهم وهم لا يدرون, وهو يتلو {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ}.. وقد أجله رسول الله ثلاثاً لمهمة تأدية الأمانة التي أوكلها إليه, ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة, بعدما أخرج لرسول الله أهله, فكان يمشي بالليل, ويكمن بالنهار, حتى وصل المدينة, ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدومه قال: ادعوا لي علياً. قيل يا رسول الله لا يقدر أن يمشي.. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم من المشي, وكانتا تقطران دماً, فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يديه, ومسح بهما رجليه, ودعا له بالعافية, فلم يشتكهما حتى استشهد رضي الله عنه.
وكانت له مواقف عديدة مشهورة, ففي غزوة أحد يقول علي رضي الله عنه: لما تخلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد, فنظرت في القتلى, فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقلت: والله ما كان ليفرّ, وما أراه في القتلى, ولكن الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه, فما في خير من أن أقاتل حتى أقتل, فكسرت جفن سيفي, ثم حملت على القوم, فأفرجوا لي, فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم.
وعندما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال علي: قلت يا رسول الله, تبعثني إلى اليمن ويسألوني عن القضاء ولا علم لي به.. قال: ادن.. فدنوت من رسول الله فضرب بيده على صدري ثم قال «اللهم ثبت لسانه, وأهد قلبه». قال علي: فلا والله الذي فل الحبة, وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعد.
وكان عمر يستشير في عظائم الأمور, فيجد عنده الرأي السديد, يقول سعيد بن المسيب, كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن - يعني علياً -.
وكان يتحدث بنعمة الله عليه فيقول كما جاء في أسد الغابة: لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع, وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار, وروي عن شريك أنه قال: أربعين ألف دينار.
ويذكر رجل من ثقيف أن علياً استعمله على سابور وقال له: لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم, ولا تتبعن لهم رزقاً ولا كسوة ولا صيفاً, ولا دابة يعتملون عليها, ولا يقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم, قلت يا أمير المؤمنين: إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك, قال: وإن رجعت ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو -يعني الفضل-.
ومن الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» رواه أبو داود في مناقب علي.. ومواقفه ومناقبه رضي الله عنه كثيرة.