رقية الهويريني
كلما قرأت عن الإجراءات التي تتخذها وزارتا العدل والشؤون الاجتماعية حول مكافحة العنف الأسري يتسع مجال التفاؤل في نفسي، وأستشرف مجتمعاً خالياً من القسوة، لكني أصطدم بالواقع المرير الذي تشهده الأسرة السعودية من خلال تزايد حالات العنف داخل أروقتها؛ ما يشير إلى أن محاضرات الوعظ والتوعية الشكلية لم تُجْدِ نفعاً!!
فقد ارتفعت نِسَب القضايا الأسرية المتعلقة بالعنف الأسري بصورة ملحوظة بالمحاكم الشرعية في مناطق الرياض والشرقية وعسير والجوف خلال السنة الماضية، وفق إحصائية عدلية حديثة.
وكان مجلس الشورى قد طالب بـ(دراسة تأسيس جهة تنفيذية متخصصة، تعمل على وضع الاستراتيجيات التكاملية بين مختلف القطاعات ذات العلاقة، وتنسيق جهودها، وتقييم أدائها، ومباشرة حالات العنف الأسري والتدخل لمنع الضرر، مع الأخذ بالاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية لهذه الحالات).
وبنظرة سريعة يمكننا اكتشاف أن كل تلك التدابير ما هي إلا تنظيرية، ولم يُتَّخذ في حق المعنِّف الإجراء المناسب!
وتعمد دار الحماية الاجتماعية إلى معالجة نتائج العنف من خلال الإيواء، أو تخليص الضحايا (الزوجات والأطفال) فحسب! ومَنْ وقع عليه الضيم، ووصلت عنده الحالة حداً لا يطاق؛ فبادر بالاتصال بالدار، أو لجأ للجهات المختصة، ومنها وزارة الشؤون الاجتماعية، فعادة تقوم بعلاج النتائج، ولم تقم بالوقاية من العنف قط، وهو المطلوب والجدير بالعمل.
وبحسب الثقافة الدارجة، فإن الرجل يمارِس العنف على زوجته وأولاده تحت مفهوم الملكية المطلقة، كما تمارس الأم عنفها ضد أولادها بنفس المبدأ، ويقوم الكفيل بمزاولة العنف مع العمالة التي تحت كفالته باعتبارهم قطيعاً يملكه! وكذلك تفعل المرأة مع الخادمة، حتى ظهرت ردود فعل قوية بدأت بقتل الأطفال، بحسب ما أشارت له إحدى الدول التي قامت واحدة من رعاياها بقتل طفلة بريئة كرد فعل على سوء المعاملة من ربة المنزل الذي تعمل فيه.
وطالما لم يوجد قانون يجرّم العنف كأحد أشكال الوقاية منه فإن الحالات ستتزايد، وسيظهر لدينا جيلٌ معنفٌ، لن تجدي معه جميع الإجراءات العلاجية النفسية والتأهيلية، بل سيمارِس العنف مستقبلاً؛ لأنه إما شاهده، أو وقع فريسة له.
ومجتمعٌ يشيع فيه العنف مسكين وخانع وذليل، وهو ما ينبغي أن تنشط المؤسسات الحكومية والجمعيات المختصة لمقاومته، وتقوم بدورها الوقائي؛ ليتشكل لدينا مجتمع نظيف نقي من شوائب القسوة والإهانة والازدراء.