أ. د.عثمان بن صالح العامر
يكاد الإجماع ينعقد على أن مخرجات التعليم العام لا تتواءم ومتطلبات الدراسة الجامعية، كما أن التعليم العالي لا يؤهل خريجيه التأهيل الذي يحقق لهم دخول سوق العمل بنجاح واقتدار، وكل يلقي التبعة والمسئولية على الآخر، والخاسر في النهاية الوطن وأبناؤه الذين هم ما زالوا على مقاعد الدراسة ذكوراً كانوا أو إناثا.. ولردم الهوة وتقليص الفجوة كان إقرار السنة التحضيرية في الجامعات السعودية، التي كانت وما زالت منذ إقرارها وحتى تاريخه محل أخذ ورد في الأوساط الأكاديمية ولدى أولياء الأمور والطلاب بين «مؤيد ومعارض»، وهناك من يتفق مع المؤيدين على أهمية وجودها، إلا أنه يرى أن تطبيقها في كثير من جامعاتنا السعودية- خاصة الناشئة منها - فيه خلل كبير وضعف واضح، ولذا كان أثرها سلبيا وموجعاً.. ولقد كنت وما زلت من المطالبين بإجراء دراسة علمية ميدانية موسعة على تطبيق السنة التحضيرية في جامعاتنا السعودية، إذ كتبت يوم التاسع من شهر صفر عام 1433 للهجرة مقالاً عنونته
بـ»التحضيرية والتدريس باللغة الإنجليزية في جامعاتنا السعودية.. ضرورة أم ترف» ونشر في هذه الزاوية.
إن الحل الجذري في نظري اليوم وقد عايشت الواقعين، وعملت في القطاعين، واطلعت على تجارب العالمين، أن تعمل وزارة التعليم التواقة للإصلاح، المواكبة للتطوير، العارفة بحجم التحديات، المدركة عمق الصعوبات، على:
* التركيز على مرحلة الروضة واعتبارها مرحلة تعليمية رئيسة، وإسناد التدريس فيها للمتخصصات المتميزات علمياً وتربوياً وذهنياً، والإغداق عليها مالياً.
* جعل التعليم الإلزامي تسع سنوات متواصلة مع إعطاء السنوات الأربع الأولى الاستقلالية التامة؛ إذ إنها تركز على بناء المهارة لا المعرفة.
* جعل المرحلة الثانوية تخصصية بناء على تحديد دقيق للميول المعرفية والمهارية لكل طالب وطالبة، على أن تكون التخصصات المتاحة أمام الطلاب والطالبات هي: «الشرعية، اللغوية، الإنسانية، الصحية، الهندسية، التقنية، العلوم الأساسية، الإعلام، العلوم الإدارية»، وصياغة مناهج علمية معمقة تؤهل الطالب بشكل علمي صحيح لدخول التخصص الجامعي الذي يتوافق مع ميوله ويتلاءم مع قدراته بسهولة ويسر وبانسيابية تامة.
* الطالب الذي يُبدي ميولاً حرفية ومهنية يجبر على الالتحاق بالمعاهد الصناعية بعد التعليم الإلزامي مباشرة، ولا يسمح له بالالتحاق بالتعليم الثانوي حسب الهيكلة الجديدة، كما هو الحال مع من تظهر لديه ميول في فنون القتال والعلوم العسكرية، إذ يجبر على دخول ثانويات عسكرية متخصصة.
* تجري الجامعات امتحاناً شاملاً للمتقدمين حسب مسارهم العلمي، وتفاضل بينهم بناء على معدلاتهم ونتائج امتحاناتهم، ويلتحقون بكلياتهم الجامعية بعد تخرجهم من الثانوية مباشرة.
من مميزات هذا النظام المقترح:
* ردم الهوة بين التعليمين (العام والعالي).
* تلافي التكرار الذي يلحظه الباحث العلمي المتخصص بين مقررات المراحل الثلاث في التعليم العام اليوم، وقد تعود هذه المفردات المتكررة بصياغة مختلفة من جديد داخل أروقة الجامعة.
* اكتشاف المواهب والمهارات، وبناء الشخصية التخصصية في مرحلة مبكرة من عمر الطالب.
* تقوية خريجي التعليم التقني والمهني، وتوجيه الطالب لهذا المجال الحيوي والمهم في مسارنا التنموي حسب هواياته ورغباته بعد إنهائه التعليم الإلزامي مباشرة.
* بناء الشخصية العسكرية منذ سن المراهقة وبشكل متميز يرتكز على بعد نظري علمي رصين.
* تلافي الهدر الاقتصادي الذي يعرفه ويدرك عمق أثره أهل الاختصاص والباحثون في اقتصاديات المعرفة اليوم.
* إعادة النظر في جميع مكونات التعليم ليتوافق ومتطلبات سوق العمل في عصر العولمة.
هذا ما عنّ لي وقدح في ذهني وأنا أقرأ تغريدة معالي وزير التعليم الدكتور/ عزام الدخيل، حيال رغبته في إعادة النظر في السنة التحضيرية المطبقة في جامعاتنا السعودية، وجزماً للحديث بقية، فهو ذو شجون خاصة ما يتعلق بنقل هذه الأفكار من عالم القول إلى حيز التطبيق المليء بالتحديات والمعوقات التي لا تخفى على صاحب المعالي الموقر ورجال التعليم ومتخذي القرار وصناعه، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.