عبدالعزيز السماري
من أكثر المناصب تحدياً في حياتنا العامة منصب أمين المنطقة للخدمات البلدية، وقد تعاقب على منصب أمين منطقة الرياض شخصيات مشهود لها بالكفاءة، ومع ذلك واجهوا صعوبات في تحقيق النقلة الحضارية في المدينة، كان أهمها الانشغال بمهام ليس لها علاقة بالخدمات البلدية، وبمعالجة الأخطاء الناتجة عن غياب تنظيم الخدمات البلدية وغياب البيانات، ومن أجل أن يظهروا قدراتهم التنظيمية لابد أن يتم تنظيم العمل البلدي عبر حصر مهامها في خدمات محددة كما هو الحال في العالم المتقدم..
ما يحدث الآن يفرغ البلدية من مهامها الرئيسية، ويجعلها غير قادرة على تحقيق الإنجاز على الأرض، وعلى سبيل المثال لا أعلم لماذا تدخل ملكيات الأراضي في الخدمات البلدية، والتي من المفترض أن تكون تابعة لتنظيم إداري قضائي، ويكون لها أرشيف خاص، وذلك للحفاظ على ملكيات المواطنين، وعدم ترك الأمر عرضة للاجتهادات الشخصية بسبب تعدد المرجعيات الإدارية، ثم إدخال المواطنين في متاهات لا نهاية لها بسبب غياب المعلومات وعدم التخصص.
لذلك دائما ما أتساءل لماذا لا يتم حصر وظائف البلدية فيما تم التعارف عليه دولياً، وهي الخدمات البلدية التي يتوقعها المقيمون في المدينة، وتشمل خدمات المدن الأساسية ومنها تأسيس مرافق للصرف الصحي (سواء الصرف الصحي أو القمامة)، وتوفير المياه وتنظيم الشوارع والتفتيش على الأغذية وإدارة مكافحة الحرائق وصحة البيئة، وقد تدخل الخدمات البلدية في تشغيل المرافق الإضافية مثل الكهرباء والغاز وتنظيم خدمات تلفزيون الكابل، أو أن تتعاقد مع جهات أخرى لتشغيلها..
من مهمات البلدية العمل على تحسين التخطيط العمراني والمحافظة على جماليات المدينة، ولو أدى ذلك إلى تغييرها بالكامل، وذلك عبر مراقبة المخططات العمرانية والمباني والشوارع العامة، ثم مراقبة إخضاعها للصيانة الدورية وتجميل الواجهات وتغيير اللوحات التي تآكلت بسبب قدمها الزمني، ومن خلال المرور على طرقات الرياض القديمة في شارع الوزير والبطحاء والمربع ستلاحظ أن واجهات بعض المباني لم يتم تجديدها لأكثر من خمسة عقود، ولازالت أسلاك الكهرباء العتيقة عالقة على واجهاتها منذ خمسين عاماً، ومن مهمات البلدية أيضاً طرد الكآبة من المدينة، والتي أصبحت معلماً بارزاً في مدينة الرياض، ويظهر ذلك في غياب الخدمات الترفيهية، وفي بؤس حالة مقاهيها ومنتزهاتها على مداخل المدينة، ومن خلال زيارة واحدة لتلك المقاهي سيدرك المرء كيف أصبحت القذارة والمرض جزءاً من تراث العاصمة.
من أجل تجاوز الفشل المتراكم في الخدمات البلدية، ومن اجل إيقاف مسلسل حرق الكفاءات في منصب الأمين العام، علينا أن نتحرك في إتجاه تطوير الخدمات البلدية، ويبدأ ذلك اولا بإخراج وكالة الأراضي وتحويلها لإدارة قضائية متخصصة، ثم تنظيم الخدمات البلدية في مجال تخصصها كما هو في بقية دول العالم، والخطوة الأهم إيجاد مصادر للتمويل لتلك الخدمات مثل بقية العالم، مثل رسوم على تصاريح البناء، ودخل مادي من الغرامات على المخالفات البيئية والجمالية في شوارع المدينة، ومن غرامات وقوف السيارات في أماكن مخالفة، ورسوم استخدام الخدمات الاختيارية مثل تأجير أراض للمقاهي العامة، أو من المصادر الأخرى مثل أرباح المرافق المملوكة للبلدية مثل المواقف العامة في الأسواق وقاعات المؤتمرات الموسمية..
وتستطيع البلدية أن تزيد مواردها من لوحات الإعلانات والدعايات في الشوارع، وتحصيل غرامات على الذين لا يلتزمون بالقوانين العامة أو بتوفير مواقف للمباني أو الأسواق، وأن تكون مسؤولة عن جدوى وجود مدينة صناعية داخل المدينة أو بالقرب من المجمعات السكنية، وذلك لما له من تأثير صحي بالغ على سكانها، وأن تملك صلاحية فرض رسوم على وجود المصانع داخل المدينة، وأن تكون كلفة وجودها في المدن غالية ومكلفة، على أن تكون مخالفاتها البيئية خاضعة لغرامات عالية، وذلك من أجل صحة البيئة والإنسان في المدينة، وبالتالي يكون الخيار الأمثل للمصنع الرحيل للمدن الصناعية المخصصة لذلك.
ستكون الخطوة الإستراتيجية التالية لهذا التطوير، تفعيل المجلس البلدي لوضع التشريعات البلدية، وأن يكون أقرب إلى مجلس إدارة، على أن يكون عملهم لا يتجاوز الخدمات البلدية، وأن يكونوا ملتزمون بذلك، وأن لا تدخل ضمن أعمالهم الترويج لإيدولوجيات متشددة أو العكس، أي أن تكون مهمتهم تشريعية إدارية في مجال الخدمات البلدية والبيئة والتنظيم المعماري والمدني، ومن خلال هذه النقلة ستكون بيئة العمل مهيئة للنجاح، وسيكون منصب الأمين العام مؤهلا ً للتميز في مهمة تطوير الخدمات البلدية بدلاً من إضاعة جل وقته في إدارة الأخطاء الناتجة بسبب غياب البيانات وعشوائية العمل الإداري في البلدية، والله ولي التوفيق