د. محمد بن عويض الفايدي
التنمية الألفية بين تحقيق الأهداف وتعزيز التنمية الوطنية والاستقرار في هذا الإطار تبنت الأمم المتحدة برنامجاً إنمائيا يبدأ من عام (2000م) ينفذ خلال (15) عاماً تنتهي مرحلته الأولى بحلول عام (2015م) بهدف مكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتمييز ضد المرأة، والبيئة وحماية الفئات المستضعفة وحقوق الإنسان والحكم الصالح.
تسعى هذه الجهود إلى المحافظة على الأمن والسلم الدوليين وتعزيز برامج التنمية الوطنية الشاملة، والتي بدورها تنعكس على الاستقرار المحلي والدولي، وتبعث على الطمأنينة والنماء.
التنمية الألفية التي تحمل في طياتها (8) أهداف رئيسة ومؤشرات لقياس التقدم نحو تحقيق تلك الأهداف. في مقالات سابقة تم تغطية (6) أهداف للتنمية الألفية وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على الهدف السابع: ضمان الاستدامة البيئية.
تتفق توجهات التنمية الألفية مع خطط التنمية الوطنية في ضمان الاستدامة البيئية، الذي عبر عنه الهدف السابع من أهداف التنمية الألفية بوضوح في ترسيخ مفاهيم وأسس التنمية التي تؤصل للأهداف الأخرى لبناء منظومة تنموية متكاملة تُشكل التنمية المستدامة مرتكزها سعياً لإشاعة الاستقرار والسلم الاجتماعي داخليًا وخارجيًا.
الرؤية السعودية لمعطيات التنمية المستدامة طموحاً نهضوياً يتسق مع استمرار تعزيز برامج التنمية بمقدار القوة التمويلية الدافعة التي تتزايد في الميزانية السنوية، للمحافظة على السمة الأصيلة للتنمية باعتبارها عملية نهوض حضاري ينسحب على شتى مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والعسكرية والصحية والترفيهية والبيئية ومهارات التخطيط الذي هو جزء من التنمية الشاملة، والذي ينبغي أن يتحول من المسار التخطيطي التقليدي إلى نموذج التخطيط السلوكي الذي يستجيب مباشرة للتحديات والمباغتات التي تتخطى رؤية المستشرف لحسابات الماضي الذي همشته ارتدادات الحاضر، فضلاً عن القدرة على الاستجابة للمستقبل الذي يتسم بمزيد من الضبابية نتيجة لتذبذب أسعار النفط والصراعات والحروب المحيطة والحراك الداخلي والمخاطر العلنية والمستترة التي بحاجة لقراءة أكثر عمقاً.
تتمثل التنمية في الانتقال إلى حال أفضل طبقاً لأسس وقواعد تعبر عن حالة المجتمع المحلي الذي عليه أن يستجيب للمتغيرات الإقليمية والدولية ويتكيف معها، وعلى هذا فهي زيادة العطاء كماً وكيفاً تشكله بنود الميزانية العامة في بداية كل سنة مالية لترسم له الحدود التي يتحرك فيها في إطار قواعد المالية العامة.
يتسع مفهوم التنمية المستدامة ليشمل كافة الأبعاد التنموية مع الأخذ في الاعتبار نصيب الأجيال القادمة في الموارد المتاحة، والعمل على الاستثمار طويل الأجل لضمان المحافظة على نصيب الأجيال برؤية استراتيجية تُحسن إدارة وتوجيه الموارد وتعظم الاستفادة من القيمة المضافة لكافة عناصر الإنتاج بما يكفل استدامة التنمية وتطوير الموارد المتاحة والكشف عن موارد أخرى بديلة.
كفالة الاستدامة البيئية تتشكل في إدماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات والبرامج الوطنية وترشيد الموارد البيئية باستخدام مؤشرات بيئية منها نسبة مساحة الأراضي المغطاة بالغابات، ومجموع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لكل فرد ولكل ريال من الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية)، واستهلاك المواد المستنفذة للأوزون، ونسبة الثروة السمكية الموجودة ضمن الحدود البيولوجية الآمنة، ونسبة الموارد المائية الكلية المستخدمة.
ينطوي استدامة التنمية على الحد بقدر ملموس من معدل فقدان التنوع البيولوجي بالاستناد إلى مؤشرات قياس تعكس الواقع المحلي منها نسبة المناطق البرية والبحرية المحمية، ونسبة الأجناس المهددة بالانقراض.
تولي الهيئة السعودية للحياة الفطرية المحافظة على البيئة والحياة الفطرية اهتماما بالغًا بإقامة المناطق المحمية وإنشاء مراكز البحوث والدراسات المتخصصة، وسنّ الأنظمة والتشريعات، والانضمام للاتفاقيات الدولية، وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط الوطنية ذات الصلة بهذه الأهداف.
تبذل الهيئة السعودية مزيدًا من الجهود بالتعاون مع الجهات المختصة بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنوع الإحيائي للمحافظة على الغطاء النباتي والأشجار في المناطق المحمية المعلنة وبعض المناطق الأخرى.
تعكف وزارة الزراعة على تنفيذ استراتيجية وخطة العمل الوطنية للغابات والإستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر للمحافظة على الغابات والتوعية بأهميتها وتوسيع دائرة الغطاء النباتي وإقامة المناسبات الوطنية وأسابيع الشجرة وزيادة الاستثمار الزراعي لتحقيق هذه الغايات.
تشارك الهيئة الوطنية للحياة الفطرية مع المنظمات الدولية مثل اليونسكو وفي المناسبات الوطنية والإقليمية والدولية ومنها الاحتفال باليوم العالمي للأراضي الرطبة ضمن اتفاقية المحافظة على الأراضي الرطبة «رامسار» Ramsar للحفاظ على مصادر المياه ومصادر التنوع الإحيائي الأخرى. وتتسم الشواطئ السعودية بمساحات واسعة من المناطق الرطبة لها الكثير من النماذج من أبرزها محمية جزر فرسان بمنطقة جازان، ومحمية الجبيل بالمنطقة الشرقية، وذلك لحماية الأحياء البحرية والنبتات خاصة الطيور المستوطنة منها والمهاجرة التي تتكاثر في تلك المناطق.
تلعب التوعية دورًا حيويًا في توجيه الدول والهيئات الحكومية والأهلية والجمهور بأهمية دعم جهود المحافظة على التنوع الإحيائي النباتي والحيواني البحري والبري وبذل مزيد من الجهود التوعوية والتنفيذية لحماية وتنمية الغابات وتطوير مصادرها لرفع كفاية منافعها البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية، التي بدورها تؤسس للنمو التلقائي للموارد البيئية المتنامية والتي في طريقها للانقراض لتحقيق مفهوم تلقائية التنمية المستدامة بكافة أبعادها وفي مقدمتها البعد البيئي.
النضج الإداري وتحسين مهارات الإدارة لحماية وتنمية التنوع الإحيائي بحريًا وبريًا وحتى الطيور في الجو من أولويات عوامل النجاح للمحافظة على حياة الكائنات الحية والنبتات، ومصادر الثروة السمكية والحيوانية والمياه والأرض وقاع البحر ومكوناته، وتوجيه كيفية استغلالها وتنمية مواردها والاستفادة من معطيتها بما يكفل استدامة التنمية.
الاقتصاد الأخضر توجه عالمي ودعمه وتعزيزه لا يمكن اختزاله في برامج توعية محدودة والعناية ببعض المحميات وبعض الأنواع من الأشجار والنباتات كالعرعر في محمية ريدة وما حولها في منطقة عسير والشورة والقندل في البحر الأحمر والخليج العربي، وأشجار اللبخ والأراك، بل يجب أن يشمل كافة المحميات والتوسع في محميات جديدة، وبمجمل الأشجار والنباتات الموجودة في البيئات المختلفة على إقليم المملكة العربية السعودية وعلى شواطئها البحرية ومياهها الإقليمية وفي جرفها القاري مثل الطلح والسمر والقضا والأرطا واليسر وغيرها، من خلال مشروع وطني سعودي شامل تشترك فيه مع الهيئة السعودية جميع الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات ومراكز البحوث والدراسات والجهات ذات العلاقة والقطاع الخاص وأصحاب الخبرة والجمهور ينطلق برؤية وطنية مشتركة يحشد لها برامج توعية شاملة تشمل الأسرة والمدرسة ومختلف قطاعات المجتمع لضمان استدامة التنمية وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية، والشروع في تنمية حقيقية في مجالات الماء والنبات والثروة الحيوانية والطيور والثروة السمكية وقاع البحر والتربة عامة ومناطق التصحر خاصة تخفيض نسبة الأشخاص الذين لا يمكنهم الحصول باستمرار على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي الأساسية إلى النصف بحلول عام 2015. وفي هذا الإطار يبدو أن وزارة الاقتصاد والتخطيط استعجلت اعتماد الإستراتيجية الوطنية للمياه، وتنفيذ خطتها الشاملة، والتوسع في إعادة استخدام المياه المعالجة لأغراض الزراعة، وتعزيز آليات ترشيد استهلاك المياه، وتقليص خسائر عمليات الإنتاج والنقل والتوزيع، وتطبيق معايير كفاءة استخدام المياه للأنشطة والاستخدامات كافة، وحماية الموارد المائية غير المتجددة، وضمان توافرها على المدى البعيد لتلبية الاحتياجات الضرورية، وكذلك تعزيز موارد المياه المتجددة من خلال دراسة الإمكانات المتاحة، وإيجاد قدرات تخزينية سطحية وجوفية إضافية، إضافة إلى تطوير صناعة تحلية مياه متكاملة تلائم استخدام الطاقة المتجددة، تدعمها مراكز أبحاث متقدمة.
تعكف وزارة الاقتصاد والتخطيط على رفع القيمة المضافة للموارد الطبيعية في الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادرها، وضمان استدامتها بتعظيم القيمة المضافة للموارد الهيدروكربونية (البترول والغاز)، وتطوير استخدام مصادر الطاقة المتجددة لأغراض إنتاج الكهرباء وتحلية المياه المالحة، وتحفيز الصناعات التحويلية المعتمدة على المواد الخام الهيدروكربونية والتعدينية.
تتجه الإرادة نحو دراسة جدوى استخدام المخلفات الصلبة في توليد الطاقة الحرارية، والكهربائية، وتحلية المياه. والعمل على حماية البيئة بتطوير نظم حماية البيئة من التلوث، وتعزيز آلياتها لغرض تحسين مستوى إدارة النفايات، وتقليص حجم النفايات، ورفع معدلات تدويرها، والتخلص الآمن منها. وتحسين صحة البيئة، من خلال تخفيض الانبعاثات الملوثة للهواء من مصادر النقل المختلفة، والمصانع، وغيرها من المرافق، وحماية البيئة الطبيعية والحياة الفطرية، وتطوير المحميات وتوسعتها، وتعزيز آليات حماية الأراضي من التصحر والرعي الجائر، والمياه الساحلية والإقليمية من التلوث، والمحافظة على التنوع الإحيائي.
تهدف الاستراتيجية الوطنية للبيئة في المملكة العربية السعودية إلى دعم الاهتمام بالجانب النوعي في التنمية، ودعم القدرة الاستيعابية وحمايتها من التلوث والهدر والاستنزاف والتدهور البيئي، وتطوير الإدارة والأجهزة والأنظمة والمؤسسات البيئية، ورفع مستوى المهارات للعاملين في حماية البيئة وتعزيز التعاون مع الهيئات الدولية والإقليمية المتخصصة في هذا المجال، والتخلص من النفايات الصناعية الخطرة بالطرق الحديثة، وتوظيف البحث العلمي والمؤتمرات والندوات في مجال المحافظة على البيئة وتعزيز الجهود الرامية لاستدامة التنمية.
يبدو أن الاستراتيجيات مستنسخة ولم تكترث بالواقع البيئي المعاش. كما أن النظام البيئي لم يزل يتعين عليه إعطاء الطابع المؤسسي طابع أكثر قوة وفعالية لتطوير وتطبيق النظم البيئية التي لا زالت لم تستجب لأدنى مراحل التحول الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية المتقلبة، والتي يستحيل تحديد مقدار تحولاتها والآثار البيئية الناجمة عنها، وذلك لضبابية الصراعات العسكرية المحيطة ولعدم وضوح قدرات النظم الأصلية والفرعية على منح ضمانات تطمئن الاقتصاد الوطني بمرتكزات جذب للاستثمارات الخارجية من خلال فرص واعدة ومسارات اقتصادية ذات قيمة مضافة حقيقية تجعل من المعطيات الاقتصادية والجيوسياسية متغيراً رئيساً في التنمية المستدامة - لاسيما من القطاع الخاص - الذي يتجه باتجاه البوصلة الأكثر أمان، والذي عليه أن يتحمل دور اللاعب الشاغل لنسبة أعلى في برامج التنمية المستدامة ليحل بالتدريج في شغل مساحة أوسع مما مضى أمام القطاع الحكومي للخروج من المسار التقليدي إلى التجديد المنضبط الذي عليه أن يتخطى القوة المقيدة التي قد تحد من القوة الدافعة بتوجيه برامج التنمية في المجتمع إلى إعطاء مساحة أوسع للعناية بالموارد البشرية في خططها وبرامجها بطرق عديدة من أهمها التربية النظامية بالتعليم والتأهيل والتدريب، ورفع مستوى خدمة التعليم، والرعاية الصحية، وتسريع وتيرة التقدم المعرفي والتطوير التقني بتحفيز الإبداعات الإنسانية التي تسخر كافة الإمكانات الاقتصادية والمعرفية لتعظيم القيمة المضافة لعمليات الإنتاج المعتمدة على المخترعات والتقنيات الحديثة لضمان ترشيد الموارد واستدامة التنمية.