د. محمد بن يحيى الفال
ظن ملالي طهران وزينت لهم شياطينهم بأنه بإمكانهم إحكام قبضتهم على مصير الشعب اليمني من خلال شريحة من أبنائه، لا تتجاوز في أحسن التقديرات عن نسبة 10 % من مجموع السكان، مجموعة رفضت وما تزال كل الفرص التي مُنحت لها من أجل حل سلمي سعت لها بمحبة حقيقية لليمن وأهله المبادرة الخليجية والمدعومة دولياً،
إضافة إلى التوافق بين جميع الأطراف اليمنية على مخرجات الحوار الوطني اليمني والتي وقعت عليها جميع الأطراف اليمنية. المشهد اليمني لا تعقيد فيه، وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، إلا لفئة خارجة عن القانون والشرعية وتعمل بعقيلة عصابة تحركها أطماع ملالي طهران ووجدت لها آلة حرب داعمة مردها الأطماع الشخصية للرئيس المخلوع صالح للعودة إلى السلطة التي تنازل عنها بموجب المبادرة الخليجية والذي جعل من جزء كبير من الجيش اليمني الوطني يعمل بطريقة الولاء له عوضاً عن الولاء للدولة اليمنية الشرعية.
ونتج عن هذا تحالف يعرف الجميع بمن فيه المتحالفون ممن أطلقوا على أنفسهم أنصار الله من الحوثين وقوات صالح بأنه وقتي ولن يدوم، وسوف ينهار لو قيض لهذا الحلف الشيطاني الموجه والمدعوم من قبل ملالي طهران أن ينجح ويحكم قبضته على مصير الشعب اليمني. وهذا هو حال فكر العصابات المعروف عنها بالتوحد وقتياً للحصول على الغنيمة ثم في فترة لاحقة القتال من أجل الفوز بالشريحة الأكبر منها. كل هذه السيناريوهات كانت حتماً سوف تُدخل اليمن في نفق في غاية العتمة والظلام، ليقيض الله لأهل اليمن المغلوبين على أمرهم بلسماً أعاد لهم الأمل في مستقبل مشرق لبلادهم، والذي جاء من خلال بدء عملية عاصفة الحزم التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، عاصفة خلطت أوراق المتآمرين من أنصار الله وقوات صالح، وعلى رأسهم عرابهم في طهران. لم يكن يتوقع المتآمرون بأن المملكة مع أخوانها في دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة لبعض الدول الشقيقة سوف يشكلون تحالفاً عربياً لإنقاذ أهل اليمن من شرور عصابة صالح والحوثي.
جاءت عاصفة الحزم لا كعدوان أو حرب ضد اليمن، بل عملية عسكرية من أجل إنقاذ اليمن من براثن عصابتين ترغبان في السيطرة على مقدرات الشعب اليمني، عصابة أنصار الله ذات الإيديولوجية المذهبية والهادفة لتسليم اليمن لملالي طهران في مخطط دُبِّر منذ سنوات، وعصابة صالح التي تهدف للعودة إلى السلطة بأي ثمن كان حتى ولو أدى ذلك لهلاك العباد وتخريب البلاد.
وقد أكدت تقارير نشرت أخيراً من قبل لجنة سرية تابعة للأمم المتحدة بأن طهران تزود الحوثين بالأسلحة منذ سنوات خلت، منها ما هُرِّب لهم ومنها ما تم إيقافه قبل الوصول إليهم، ومنه سفينة الصيد الإيرانية التي اكتشفتها السلطات الشرعية اليمنية منذ مدة وكانت تحمل أطناناً من الأسلحة للحوثيين، ومنها صواريخ مضادة للطائرات ومتقدمة للغاية، حقائق تؤكد بلا مجال للشك أو التسويف بأن مؤامرة طهران لاحتلال اليمن هو أمر مخطط ومدبر له منذ سنوات.
ومن المؤسف حقاً أن تجد الدعاية الإيرانية بأن ما يحدث في اليمن هو عدوان عليه، من يسوق لها ويتبناها في بعض وسائل الإعلام العربية، خصوصاً في مصر الشقيقة والتي وقفت معها المملكة قيادة وشعباً في كل أزماتها، ولعل ما يثلج الصدر هنا بأن هذه المواقف هي مواقف شخصية صادرة ممن لهم مصالح شخصية وضيقة وجاهزين لبيع أقلامهم في مزاد لمن يدفع. والرد على هؤلاء واضح وجلي، فلو كانت عملية عاصفة الحزم عدواناً على اليمن لما تم إيقافها مباشرة بعد أن حصلت المملكة وإخوانها في التحالف العربي على دعم أكبر سلطة دولية ممثلة في مجلس الأمن والذي أقر بأغلبية ساحقة وضع اليمن تحت الفصل السابع الذي يفوض دول التحالف العربي بقيادة المملكة باستخدام القوة العسكرية لضمان عودة الشرعية المتمثلة في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومع هذا التفويض رأت المملكة ودول التحالف العربي منح فرصة للحل السلمي، وأنهت عملية عاصفة الحزم، وبدأت في عملية إعادة الأمل التي تهدف لتكثيف جهود الإغاثة الإنسانية ولإخلاء المدنيين من مناطق الصراع، وكان رد المتمردين على الشرعية هو المضي في غيهم والمزيد من التصعيد، وزادوا في غيهم بأن المدنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تطورات العمليات العسكرية أضحوا هدفهم العسكري المفضل، فمضوا في قصف الأحياء المكتظة بالمدنيين، ولم يستثنوا حتى المستشفيات التي تعاني أصلاً نقصاً في كوادرها الطبية ومستلزماتها من الأدوية. وللمشككين من أبواق بأن عاصفة الحزم هي عدوان على اليمن عليهم أن يذكروا، بأنه وقبل أن تطلب الأمم المتحدة دعماً مادياً عاجلاً للوفاء بمسئولياتها نحو المدنيين، كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد وجه بصرف مبلغ 274 مليون دولار مساعدة عاجلة لليمن، وهو يوازي المبلغ الذي طلبته الأمم المتحدة. ولعل أوضح رد على الأقلام المأجورة والمشككة في عمليات التحالف العربي لإعادة السلم لليمن، هو بأن المملكة ودول الخليج العربي تحتضن جاليات يمنية كبيرة، لم يتم التعرض لها أو الإساءة لها، ويعيشون في أمن بين أشقائهم، ومصدر ذلك معرفتهم اليقينية بأن العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف العربي هي أولاً وأخيراً تصب في صالح اليمن وأهله، وهم يعرفون من يهدف الخير لليمن ومن هدفه تقويض السلم الاجتماعي لمكونات الشعب اليمني والذي عاش قروناً في إخاء ومحبه بين جميع أهله باختلاف مذاهبهم. لقد جاءت عاصفة الحزممنحي في غاية الأهمية في تاريخ المملكة الحديث لتؤكد أن الحلم ليس ضعفاً وبأن المملكة قادرة بأبنائها على حماية أراضيها من كل من تسول له نفسه أن يتجرأ على حدودها، والذين استشهد بعضهم في ساحات العزة والكرامة دفاعاً عن دينهم ومليكهم ووطنهم، بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية. ولقد أوضحت العاصفة مقدرة قيادية فائقة على التحرك وتكوين التحالفات وتحفيز القوات والعمل بلا كلل أو ملل، نراها فيما يقوم به ولي ولي العهد وزير الدفاع سمو الأمير محمد بن سلمان، عُرف عنه أنه قبل أن يقرر، يستمع ويناقش ويشاور، والذي أضحي مثالاً يحتذى به لفئة الشباب في المملكة والذين يشكلون الغالبية العظمي من السكان.
ولعل أهم ما أفرزته عملية عاصفة الحزم هو نهاية أحلام الملالي في السيطرة على اليمن، والذي صرح رئيسه الشرعي عبد ربه منصور هادي في العديد من المناسبات بأن المشروع الإيراني في اليمن مرفوض من قبل الشعب اليمني ولن يقبل به أبداً. وهذا يذكرنا بأننا في المنطقة العربية أبتلينا بالأطماع الإيرانية في أوطاننا منذ زمن الشاه ومروراً بالثورة الإسلامية المزعومة، ومع معرفة الإيرانيين قبل غيرهم بأنه لن يرضى العرب بسيطرتهم عليهم، إلا أنهم يسعون نحو أن يشيعوا الفوضى على أقل تقدير. ولعل المرء يقف حائراً أمام هذا الإصرار الإيراني على تقويض الأمن العربي، ولعل الإجابة الوحيدة والمنطقية نجد من وراءها خدمة المصالح الإسرائيلية في المنطقة. قبل أيام بث تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية، الخدمة العربية ( بي.بي.سي)، فليماً وثائقياً عن العلاقات بين إسرائيل وإيران خلال حكم الشاه، ويوثق الفيلم شاهدات العديد من الشخصيات الإسرائيلية التي عاشت في إيران، والتي جاء فيها بأن الإيرانيين كان أكثر ما يثير حنقهم بأن ينعت أحدهم بالعربي، ويوضح الفيلم العلاقات التجارية والعسكرية الوثيقة التي ربطت بين البلدين. لقد كانت العلاقات بين إسرائيل وإيران قبل الثورة الإسلامية المزعومة تدار في العلن، وبعدها أصبحت تدار في السر، والشواهد على ذلك كثيرة، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية تقلع من تل أبيب إلى طهران محملة بالأسلحة في ذروة الحرب العراقية الإيرانية، وعُرفت هذه العملية اصطلاحاً» بإيران كونترا». كذلك فإيران استطاعت أن تتجاوز ما هو معلن من عقوبات اقتصادية عليها، وتشير العديد من التقارير بأنها استطاعت ذلك من خلال شركات وبنوك جُلها إسرائيلي. والمثال الأوضح على علاقات السر بين إسرائيل وإيران نراه واضحاً في برنامج إيران النووي ذي التاريخ البالغ الخمسين عاماً، ومع كل ما نراه من تصريحات نارية بين الطرفين، لم تقم إسرائيل مطلقاً بقصف للمنشآت الإيرانية النووية، وفي المقابل لم نر في تاريخ إيران الحديث أن شارك جنود لها في مقاومة حتى ولو رمزية في الصراع مع إسرائيل، وهي التي توزع جنودها من حرسها الثوري في كل بقاع العالم العربي حين تسنح لها فرصة في ذلك، فهم في العراق، وسوريا، ولبنان واليمن. وعلى ذكر حرسها الثوري، فقد أشارت تصاريح صحفية بعقد اجتماع سري لمجلس الشورى الإيراني مع عراب مشروع تدخلات إيران في العالم العربي، قائد فيلق القدس بالحرالثوري قاسم سليماني لبحث التطورات في العراق، سوريا، اليمن، لبنان، تركيا، مصر وباكستان. السؤال الملح هنا وحسب جدول الاجتماع المنوه عنه أعلاه، يؤكد بأن ملالي إيران يُخيل لهم بأنهم قوة عالمية، والسؤال الأكثر إلحاحاً، هو كيف يمكننا وهذا هو الحال بأن نتعامل مع ملالي مهووسين بالتمدد وبحوزتهم سلاح نووي؟!!!