نجيب الخنيزي
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز صباح يوم الخميس الماضي عدة قرارات ملكية، والتي أبرزها إعفاء شقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد بناءً على طلبه، وتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بمنصبه وزيراً للداخلية ورئيساً لمجلس الشئون السياسية والأمنية، وكذلك تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولياً لولي العهد مع احتفاظه بمنصبه وزيراً للدفاع ورئيساً لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، كما تضمنت القرارات إعفاء عميد الدبلوماسية السعودية والعربية وزير الخارجية صاحب السمو الملكي سعود الفيصل من منصبه بناءً على طلبه لظروفه الصحية، وتعيين السفير السعودي في واشنطن الأستاذ عادل الجبير خلفاً له في هذه الوزارة السيادية المهمة.
الجدير بالتنويه هنا بأنّ سمو الأمير سعود الفيصل الذي تسنّم منصبه في عام 1975، يُعد أقدم وزراء الخارجية في العالم، كما كان له دور مميز في الإشراف على السياسة الخارجية السعودية على مدى أربعين عاماً، حققت خلالها الدبلوماسية السعودية العديد من النجاحات التي وطدت مكانة المملكة على الصعيدين العربي والدولي.
القرارات الأخيرة جاءت استكمالاً مهماً لقرارات ملكية سابقة تصب في تجديد هياكل وإدارات الدولة في المجالات الإدارية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وهي تعكس إلى حد بعيد الشخصية المميزة للملك سلمان بن عبد العزيز، ومعرفته وخبرته الإدارية الطويلة في المجالات القيادية المختلفة التي تسنمها على مدى الستة عقود الماضية.
أهم ما ميز القرارات الملكية الأخيرة أنها تدشن لما يمكن تسميته بالدولة السعودية الرابعة، وذلك من خلال تقديم الجيل الثالث من الأمراء الشباب من أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، لتسنم المهمات القيادية الرئيسية في الدولة، وذلك عبر منصبي ولي العهد وولي ولي العهد، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الإنجازات والنجاحات الأمنية المهمة في مواجهة الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه، والتي تحققت تحت قيادة وإشراف الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز على مدى السنوات الماضية، وكذلك الإنجازات العسكرية الواضحة، والتي تمثلت مؤخراً في عملية عاصفة الحزم في اليمن، والتي تتم تحت قيادة وإشراف الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع.
تستحضرني هنا مناسبتان مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، الأولى هي مكالمتي من قِبل مدير مكتب سموه لحضور مقابلة خاصة مع سموه في مطلع شهر مارس 2004، وكان اللقاء ودياً وبعيداً عن البرتوكول الرسمي المعتاد، حيث جلسنا متجاورين وتحدثنا عن شجون وهموم الوطن، وكان متفهماً للعديد مما طرحته، غير أنه ركز على أنّ الأولوية الراهنة تتمثل في مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة الوطن، ومؤكداً في الوقت نفسه بأن أبوابه وغيره من المسؤولين مفتوحة للاستماع للمقترحات ووجهات النظر الإصلاحية التي تصب في خدمة وتقدم الوطن، وأجبته بأننا نتفق على طول الخط حول الثوابت الوطنية، وإذا كانت هناك تباينات واجتهادات حول بعض الأمور، فتلك لن يمس تلك الثوابت والتي تتمحور حول وحدة الوطن والشعب وأمنه واستقراره، واعتبار الأسرة الحاكمة رمزاً وصمام أمان له.
المناسبة الثانية حين هاتفني شخصياً في شهر ابريل سنة 2008 ليخبرني بشكل ودي، بأنّ قرار منعي من السفر قد رُفع، وبأنّ ما جرى أصبح من الماضي.
في سابقة هي الثانية من نوعها في تاريخ المملكة، تمثلت في تعيين وزير للخارجية والتي تُعد من الوزارات السيادية المهمة من خارج العائلة الحاكمة.
الشعب السعودي يتطلع بأن تمثل القرارات الملكية المتتالية وخصوصاً القرارات المهمة الأخيرة والتي تصب في تجديد دماء أجهزة ومرافق الدولة، نقلة تاريخية في مواجهة التحديات الداخلية، على صعيد ضمان الاستقرار والأمن، وسلاسة انتقال الحكم، والدفع بالتنمية المتوازنة والمستدامة، ومواجهة العديد من القضايا الشائكة، كالبطالة والفقر والفساد وترهل الجهاز البيروقراطي، ومواجهة خطر الإرهاب، وضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية، وتجاوز الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، وكذلك إزاء التحديات على الصعد العربية والإقليمية والدولية والتي تتسم إلى حد كبير بالهشاشة والسيولة بل والخطورة، حيث تعيش العديد من البلدان العربية، وبعضها مجاوراً لبلادنا أزمات وصراعات وحروب داخلية متفجرة، وأصبحت محاضن للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية والمتطرفة، والتي تسعى جاهدة إلى مد وتصدير نشاطها للدول المجاورة ومن بينها بلادنا، على غرار ما يحدث في العراق وسوريا واليمن وغيرها.
حمى الله وطننا وشعبنا العزيز من كل مكروه، وأمدّه بأسباب القوة والمنعة والتقدم المطرد في المجالات كافة في ظل قيادتنا السياسية.