لبنى الخميس
تعرف سياسة الفشل السريع أو Fail-fast بأنها إدراك ذكي ومبكر بأن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح، والتقاط سريع ولمّاح لإشارات وجود خلل ما في أي منظومة عملية أو إنسانية، وأن الإصرار على توقع نتيجة مختلفة هو محض إهدار للوقت والجهد والمال. لكن الاعتراف بوجود مشكلة ما، ومن ثم اتخاذ إجراءات حازمة وصارمة لإنهائها، يتطلب جسارة وجرأة لا يمتلكها كثير من القادة، ولا يستطيع تحمّل عواقبها وآثارها العديد من مديري الشركات والرؤساء التنفيذيين، لذا فإنها تعد إستراتيجية إدارية ذات بعد نفسي وقيادي مؤثّر، باتت تحظى باهتمام عالمي متزايد، نظير توفيرها «للوقت» إحدى الأشياء الثمينة التي لا تشترى أو تسترد خصوصًا حينما يَدق على توقيت عالم متسارع التطور ومطّرد التغيير.
حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز، التي تجاوزت «المائة يوم» - هذه المدة التي تعدّ في عالم السياسة والحكم- اختبار قصير، ومؤشر جيّد على تمكن الحكومة في تشكيل منظومة إدارية ذات رؤية واضحة وأهداف محددة، اتبعت بقصد أو دون قصد وفي أكثر من موضع، سياسة Fail-fast، إِذ شهد الشعب السعودي قرارات صارمة وحازمة لم يعريها تردد أو يشوبها خوف، تم الإعلان عنها في فترات متقاربة، وبأسلوب شديد الوضوح، ما جعل المواطنين يتداولون أخبارها، ويتناقشون في أسبابها ونتائجها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، أذكر منها وعلى رأسها قرار إطلاق عمليات «عاصفة الحزم» التي تعتبر درة تاج القرارات الحكومية فيما يتعلق بقطع دابر الفوضى، وعدم جرّ المنطقة إلى المزيد من عدم الاستقرار.
تبعها قرارات إقالة لمسؤولين رفيعي المستوى، نظير فشلهم في التعاطي مع بعض القضايا، وسوء تقديرهم للبعض الآخر. بدأت بإقالة وزير الصحة السعودي أحمد الخطيب، عبر مرسوم ملكي صدر إثر مشادة كلامية بين الوزير وأحد المراجعين، تحدث فيها الوزير بنبرة غاضبة معه قائلاً: «لست شمس شارقة، وماني معطيك موعد» فتمت إقالته، استنادًا على مبدأ أن زمن التنصل من المسؤوليات والتعالى في التعامل انتهى، وإن لم تكن «شمس شارقة» في عملك، فلتكن شمس غاربة في منزلك.
تلاه قرار إيقاف للأمير ممدوح بن عبدالرحمن بن سعود، عقب تصريحات تلفزيونية عنصرية لا تعبر عن الروح الوطنية الواحدة، قرار إيقاف الأمير وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة جاء منسجمًا مع روح الإدارة العادلة، والمنسجمة مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أعدل البشر حين قال بعد توسط أسامة بن زيد للمرأة المخزومية التي سرقت: «إنما هُلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
الإقالة التالية، جاءت الأسبوع الماضي لرئيس المراسم الملكية محمد الطبيشي، بعد فيديو متلفز لما يبدو والأخير يقوم بصفع أحد الصحفيين أثناء مراسم استقبال ملك المغرب محمد السادس، ما أثار موجة ترحيب بالقرار الذي اعتبره البعض إنصافًا للصحافة والصحفيين، ولكرامة المواطن قبل هذا وذاك، ومعاقبة المسئ مهما بلغ منصبه وعلت مكانته.
بتلك المواقف والقرارات الحازمة والقاسمة، نستقى عدة رسائل: الحكومة متمثلة بالملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير الطموح محمد بن سلمان، جادون في مشروع الإصلاح السريع، والتطور المتواصل، حيث يحظر إهدار الوقت في عمليات الترقيع،
ومطالبات منح المهل الساذجة، وأن كرامة المواطن خط أحمر يحرّم المساس به، بالإضافة إلى أن العقاب سيطال كل مقصر ومتساهل بذلك كائنًا من كان، لتكون المحصلة حكومة ديناميكية تستجيب لصوت الشارع، وتحتوي معاناته، وتشكل قراراتها من بناء على آماله وتطلعاته.
حكومة سلمان تبشر بالخير.. كيف لا؟ وهي من كانت أولى قراراتها أن تقف إلى جانب الشعب.