لبنى الخميس
جزّ الرؤوس، تحطيم متاحف إرث البشرية وتاريخها، اختطاف النساء سبايا، حرق للأجساد الحية، ومصادرة الرأي، هي في مجموعها بعض يمثل شكلاً من أشكال التطرف، الذي يلقي بظلاله على العالم العربي من مائه إلى صحرائه، وكأن عجلة المركبة البشرية قد توقفت في نقطة قصيّة عاجزة عن التقدم..
ثلاثون ألف مقاتل في «داعش» -داء العقد الجديد- توكل لبعضهم مهام بعيدة عن ميادين القتال، وساحات المعارك، حين تسخر أدمغتهم لرسم خطط حرب قوامها الصورة المتطورة، وزرع حسابات «تويترية» وأخرى «يوتيوبية» يقودها جيش إلكتروني، ذو خبرة في العمل الإعلامي سواء المرئي أو المكتوب أو «الجديد».
فبحسب موقع «السي ان ان» يبث تنظيم داعش كل يوم 90 ألف مادة دعائية وتحريضية في مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم منتج إعلامي له قدرة هائلة على الحشد واستقطاب الموالين من مختلف البلدان والثقافات. فالعالم اليوم يواجه تنظيماً يرى مراقبون أنه حطّم الصورة التقليدية للتنظيمات الجهادية المتطرفة، فالتنظيم يحوز لغة جديدة وصورة عالية الدقة، ويستعين بتقنيات هوليوودية، وعمل إعلامي محترف، ناطق ومترجم، إلى أكثر من سبع لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والروسية والإندونيسية، ولمناصريه حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي بهذه اللغات، عبر نشاط إلكتروني لا يتوقف على مدار الساعة.
وحتى مع محاولات موقع «تويتر» إغلاق حسابات رسمية لمواقع داعش الإخبارية، إلا أنهم سرعان ما يستبدلونها بأخرى وينشطون من خلالها، لتتنامى الحاجة إلى حرب إعلامية مضادة، تواجه خطر الإرهاب والتطرف وكل ما يروجها من بروباغندا إعلامية، فهل نحن مستعدون لحرب بهذا الزخم، وماذا قدم إعلامنا لتفادي هذا المد المتطرف؟.
هذا ما حاولنا الإجابة عنه، في ندوة حوارية بعنوان: «الإعلام في مواجهة التطرف» أعددتها برفقة زميلتاي رنا داوود، وعهود الخولاني، في كلية الشيخ محمد بن راشد للإعلام، في الجامعة الأمريكية في دبي، استضفنا فيها نخبة من الشخصيات الإعلامية، منها منتهى الرمحي من قناة العربية، والكاتب د. سليمان الهتلان، ورئيس مركز أخبار مؤسسة دبي للإعلام علي عبيد، ورئيس تحرير موقع سكاي نيوز عربية أحمد مصطفى، بحضور عميد الكلية علي جابر.
منطلقين من واقع قلقنا، وتفاقم أسئلتنا كطلبة إعلام بصدد الدخول للمعترك الإعلامي، عن دور السلطة الرابعة، بكافة وسائلها، لمحاربة هذا المد الظلامي، وخلق واقع عربي وإسلامي أفضل عبر الترويج لفكر التنوير، وحرية الرأي، وثراء الاختلاف.
رئيس المنتدى الإستراتيجي في دبي الدكتور سليمان الهتلان أحد ضيوف الندوة عبر بجرأة معقباً على سؤال يعنى بمحاربة الفكر المتطرف: « المعضلة لدينا تكمن في خوفنا وخشيتنا من النقد الصريح للخطاب الديني في العالم العربي، وذلك الخوف والرعب من شأنه تعميق المشكلة وتأصيلها، إذ ما زلنا نكتفي بالتحدث عن الموروث همساً في المجالس الخاصة، وإذا لم يكن لدى المثقفين والإعلاميين الجرأة والشجاعة الكافية لنقد هذا الخطاب سنظل نحوم حول الدائرة نفسها ونتحدث عن ذات المآسي مراراً وتكراراً. أتحدى أي (رجل دين) بأن يناقش داعش دينياً، فهم يستخدمون نفس المرجعية التي يستند عليها كثير من شيوخ الدين، من أحاديث وآيات قرآنية».
وحول محاربة التطرف بالفن علّق مدير قنوات مجموعة إم بي سي وعميد كلية محمد بن راشد للإعلام علي جابر: «داعش هي فكرة.. والفكرة تقتل بفكرة أخرى ولا تقتل بطائرة، وليس بالضرورة أن تكون فكرة دينية مضادة.. لذلك أعتقد بأن الفن والأدب والثقافة.. وكل ما يعبر عن ثقافتنا ويحرك إنسانيتنا يغذي الفكرة المضادة للتطرف».
أخيراً، لا زال إعلامنا يستخدم أسلحته القديمة، وأفكاره العتيقة لمكافحة شبح التطرف، عبر خطب دينية مكررة، ولغة إعلامية تقليدية ومملة، لا تتجاوز شجب المقاطع وإدانة فاعليها، رغم أن لغة الأجيال الحالية تغيرت، التفت حولك، لن تجد سوى شبابا يحمل أجهزة ذكية، بتطبيقاتها الاجتماعية والتواصلية المتعددة، التي باتت جزءاً لا يتجزأ من ممتلكاتهم الشخصية وعاداتهم اليومية التي تعبر عن سمات هذا الزمن بمختلف تناقضاته، ما شكل نقطة عبور ذات حدين إما لنور المعرفة، وإما لظلمات التطرف.
هذا الإعلام لن ينجح لأنه بات مملاً ومكرراً، فالحرب العسكرية ضد التطرف قد تؤخر تقدم جيوشه، وتستعيد بعض الأراضي من قبضته، إنما الحرب الكبرى هي حرب الأفكار والإيديولوجيات، والمعركة المصيرية ليس بقتل العدو بل بإسقاط مبدئه، فهل ندرك؟.