د. محمد بن يحيى الفال
بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما يُعقد في الثالث والرابع عشر من شهر مايو الجاري، مؤتمر تاريخي مع قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في منتجع كامب ديفيد بضواحي العاصمة واشنطن وتحديدًا بولاية ميرلاند. يُعقد المؤتمر في ظل ظروف استثنائية تعيشها المنطقة العربية نجد لهيب حرارتها مشتعلاً في العديد من مناطقها. نراه في قمع وحشي كما
هو الحال في سوريا، وتهديد جماعات إرهابية خارجة عن سيادة الدولة كما هو الحال في العراق واليمن، مع نزاع مشتعل على السلطة في ليبيا، إضافة لتهديد جماعات إرهابية تقوض السلم الاجتماعي في العديد من الدول العربية. كذلك فإن القضية الفلسطينية ما زالت تراوح مكانها، وأضحي حل الدولتين المدعوم أمريكيًا وعالميًا سرابًا في ظل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي وتراخي الأمريكيين في الضغط لتحقيقه. وتشير العديد من التغطيات الصحفية إلى أنه ومن وجهة النظر الأمريكية فإن أهم بند في جدول أعمال القمة الخليجية الأمريكية المرتقبة، هو طمأنه قادة دول الخليج العربي على جدية الحكومة الأمريكية في التزامها نحو عدم السماح لإيران بالحصول على السلاح النووي، انطلاقًا من التفاهمات التي تمت معها مؤخرًا، بينها وبين دول مجموعة خمسة زائد واحد، والمكونة من الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. بيد أن التطمينات الأمريكية بدأت مشوشة وضبابية لمن يلاحظها، منها ما صرح به الرئيس الأمريكي نفسه قبل فترة وجيزة، حيث قال: إن أكبر تهديد يواجه دول الخليج وكما يراه، ليس من طرف إيران، بل من تهديدات من داخل الدول الخليجية نفسها. واستشهد أوباما مؤكدًا على صحة ما زعمه بأن تنظيم داعش الإرهابي يلقي قبولاً متزايدًا من قبل الشباب السنة في المنطقة، معللاً ذلك بسبب حنقهم وعدم رضاهم على ما يجري في أوطانهم. غير أن الحقائق على الأرض تنافي بالمطلق ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي من ملاحظات، وهو يحاول في الحقيقة وكما في المثل الأمريكي التهرب من الإجابة (Beating Around the Bush)، فداعش كانت وليدة لسياسات المالكي المذهبية بامتياز، التي صرح عنها علانية العديد من الساسة والعسكريين الأمريكيين. كانت الأنبار وغيرها من المحافظات السنية تطالب الحكومة في بغداد للالتفات لهم ولمطالبهم في التنمية والمشاركة السياسية وأن تنتهج الحكومة سياسات تبتعد فيها عن المذهبية التي خربت العراق. ولكن المالكي الذي كان يحكم بعقلية التابع للمرجعية الشيعية وبولاء لطهران يحركه إيمانه العميق بولاية الفقيه، ترك الحبل على القارب وأمعن في مذهبتيه بطريقة غير مسبوقة في تاريخ العراق، نتج عنها مسخ ما يسمي «داعش»، وكما هي قوانين الفيزياء التي تؤكد بأن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه. نرى هذا القانون جليًا يتحقق في العراق فالميليشيات الشيعية مالحشد الشعبي، عصائب أهل الحق، فيلق بدر ولواء أبو الفضل العباس، التي تدار من قبل الحرس الثوري الإيراني، ارتكبت جرائم يندى لها الجبين ضد سنة العراق وكانت هي البادئة في حملات التطهير على أساس طائفي، ووظف لها المالكي كل مقدرات الدولة العراقية لتنفيذ جرائمها ضد سنة العراق. لم يعرف العراق في تاريخه احتقانًا طائفيًا كما شهده في فترة حكم المالكي، الذي سلم البلاد ورقاب العباد للحرس الثوري الإيراني ليشيع في العراق فسادًا، كانت أبرز نتائجه نشأة تنظيم الدولة الإرهابي لمواجهة التنظيمات الشيعية الإرهابية، فلإرهاب لا مذهب ولا دين له. مجمل القول إن الحال الذي عاشه العراق خلال فترة حكم المالكي وما زال يحاول التعافي منه بصعوبة بالغة كانت إيران من ورائه من ألفه إلى يائه.
التدخل الإيراني السافر في سوريا واضح وجلي، ويتبجح ملالي طهران بأنه له مساندتهم لحكم سفاح دمشق لكان سقط وانتهي، ولا تمضي فتره وإلا نسمع من منظري طهران وعسكرها بتصريحات لوسائل الإعلام بأنهم لن يسمحوا بسقوط النظام في سوريا مهما كلفهم الأمر. الحقائق بالأرقام تؤكد بأن طهران دعمت نظام الأسد بمليارات الدولارات وبالدعم العسكري من قبل الحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني، الذي لم يكتف بتقويض أمن لبنان بدعم إيراني كامل، فانتقل لدعم نظام القتل والترويع في دمشق، الذي حصد بعد أربع سنوات مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين واللاجئين السوريين.
وكما هو الحال في تدخلات طهران في العراق وسوريا ولبنان، نرى آخر فصل وحتمًا لن يكون الأخير من تداخلاتها في الشأن العربي، في اليمن الشقيق، التي تؤكد تقارير الأمم المتحدة بأن إيران زودت ميليشياته الانقلابية من الحوثيين بالسلاح ومنذ سنوات. ليرى العالم كيف انقلبوا على الحكومة الشرعية ولإدخال اليمن في نفق مظلم من التناحر ولفرض أجندتهم المدعومة من قبل حكومة طهران على كل مكونات الشعب اليمني، في مشهد آخر من مشاهد سيطرة الأقلية على الأغلبية الذي نراه واضحًا في المشهد السوري من سيطرة الأقلية العلوية على البلاد الذي زج بها في حرب مدمرة لم تبق ولم تذر. وكانت النوايا الإيرانية المبيتة تهدف لاستسناخ المشهد السوري في اليمن وجعله بؤرة صراع ملتهبة وهو الخاصرة الأمنية لكل دول الخليج العربية، لولا أن قيض الله له حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لإنقاذ اليمن من شرور المخطط الإيراني بانطلاق عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل..
يحسب للرئيس الأمريكي أوباما، بأنه أول رئيس أمريكي وعلى غير عادة كل الرؤساء الأمريكيين، حاول خلال بداية ولايته الأولى أن يجد حلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مبدأ حل الدولتين، وكانت النتيجة كارثية حيث فشل تمامًا في هذا الملف، وكانت نتيجة فشلة أن شنت إسرائيل حربًا مسعورة ضد قطاع غزة نتج عنها آلاف الشهداء والجرحى وتدمير مئات الآلاف من مباني القطاع، وكثفت إسرائيل مع ذلك جهودها الاستيطانية في الضفة الغربية ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي تعتبر الضفة الغربية مناطق محتلة. القضية الفلسطينية قطعًا ستكون حاضرة في مؤتمر كامب ديفيد، ويؤكد هذا ما صرح به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته أمام القمة الخليجية التشاورية التي عقدت في الرياض مؤخرًا بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، حيث أكَّد في الكلمة بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى.
إجمالاً، يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يحاول أن يسوق اتفاقه المرتقب مع إيران فيما يخص ملفها النووي، ويمكن ملاحظة ذلك فيما أورده الصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان الذي قال بأن الرئيس أوباما دعاه لمقابلته في البيت الأبيض يوم السبت من شهر أبريل المنصرم، وأكَّد له الرئيس أهمية إعطاء الفرص الدبلوماسية لإيران لإثبات حُسن نواياها، وأطلق فريدمان على رؤى الرئيس أوباما في هذا التوجه مصطلح «مبدأ أوباما»، الذي يتلخص بأهمية إعطاء الفرصة للحل الدبلوماسي قبل التفكير بالحل العسكري، ويضيف فريدمان بأن رؤى الرئيس من خلال مبدأه نراها في تعامله مع كل من كوبا، بورما وإيران.
ويذكر فريدمان خاطرة لها مغزى قبل لقائه بالرئيس أوباما، بأنه زار طهران في سنة 1996، وكان في بهو الفندق الذي نزل فيه يافطة كتب عليها «الموت لأمريكا»، ولم تكن اليافطة عادية، بل كانت قطعة من الرخام مثبتة في بناء جدار البهو، ويضيف بأنه حدث نفسه بعد مشاهدة هذه اليافطة الموضوعة بهذا الشكل، بأن العلاقات الأمريكية الإيرانية لن تشهد تحسنًا لفترة طويلة قادمة، ولكن بعد لقائه بالرئيس والاتفاق النووي المرتقب معها، جعله يغير قناعاته.
ختامًا، التهديدات للمنطقة العربية الخليجية والعالم العربي واضحة للجميع، وليس هناك خوف من تهديدات داخليه خصوصًا في الخليج، فالتهديد للجميع مصدره جهتان يعملان كطرفي كماشة لتقويض أمن العالم العربي والشرق الأوسط، التهديد الإيراني من الشرق والتهديد الإسرائيلي من الغرب، كلا الطرفين تجمعهما رؤية وهوس مشترك في التمدد والتوسع والهيمنة، ويتبادلان الأدوار في نشر الفوضى والدمار في منطقة الشرق الأوسط.