إبراهيم بن سعد الماجد
تحقيق المجد يُتاح لبعض القيادات والمجتمعات, فكثيرٌ من الدول رقت مراقي في سلم المجد ولكنها سرعان ما انخرطت كما صخرٌ من علي, فهوت كما تهوي الشهب.
في التاريخ السعودي, وبلغة أكثر دقة, في تاريخ الأسرة الحاكمة أسرة آل سعود يُحكى عن مجد بُني, وحكم أُسس, ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
يقولون: التاريخ لا يرحم, وأنا أقول التاريخ يسطر لبعض الدول ولبعض الأسر مجداً يكون مادة تدرس, ورواية تروى.
قبل ما يزيد على ثلاثة قرون خط الإمام محمد بن سعود السطر الأول لهذا التاريخ المشرق, خطه بيمين عاهدت الله أن تكون للدين حامية وعن الوطن مدافعة, رفع راية لم تنكس حتى هذه اللحظة, شعارها كلمة التوحيد, دافعوا عن هذه الراية بأنفسهم وأموالهم وأولادهم.
نالت الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية من البلاء الشديد ومع ذلك لم تنل هذه المكائد والمصائب من عزمهم وإصرارهم على مواصلة رسالتهم, دفاعاً عن حياض الإسلام.
في 1319هـ كانت الدولة الحديثة أو الثالثة أو كما أحب أن أسميها دولة عبدالعزيز, جاء هذا البطل بعاصفة كعاصفة سلمان الحزم, فاجتث من الأصول بذور الفرقة والشقاق والفراق, دخل الرياض معلناً أن الملك لله, فكان الله له معيناً وناصراً, أسس لدولة قوية قائمة كما كانت في الأولى والثانية على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فتعاقب على ملكها أبناء يقسمون على أن لا يحيدوا عما كان عليه والدهم, جاء الملك سعود وعقبه الملك فيصل فخالد ثم فهد فعبدالله -رحمهم الله جميعاً- وكانوا خير خلف لخير سلف.
في العقود الثلاثة الماضية عصفت بالمنطقة عواصف كثيرة سياسية واقتصادية جعلت من كبرى دول العالم تترنح ومن دول أخرى توشك على الانهيار, إلا هذه المملكة فقد كانت بحمد الله وفضله ومنته, ثابتة قوية.
وفي غير هدوء من مشاكل المنطقة جاء عهد سلمان بن عبدالعزيز, ولكنه لم يستكن لهذه الصراعات ويقبل بهذا الوضع فكان له موعداً مع المجد أكثر من مرة وفي هزيع الليل وكأنه هو القائل:
أَنامُ وَما قَلبي عَنِ المَجدِ نائِمُ
وَإِنَّ فُؤادي بِالمَعالي لَهائِمُ
وَإِن قَعُدَت بي عِلَّةٌ عَن طِلابِها
فَإِنَّ اِجتِهادي في الطِلابِ لَقائِمُ
يَعِزُّ عَلى نَفسي إِذ رُمتُ راحَةً
بِراحٍ فَتُثنيني الطِباعُ الكَرائِمُ
وَأَسهَرُ لَيلي مُفكراً غَيرَ طاعِمٍ
وَغَيري عَلى العِلّاتِ شَبعانُ نائِمُ
عاصفة الحزم جاءت فحق لكل عربي ومسلم أن يرفع رأسه بين الأمم, عاصفة عصفت بالشرق والغرب وجعلت من الجميع يأتي مهرولاً ويعلن أنه أمام قائد فذ يجب احترامه والتعاون معه في كل ما يخدم السلم والأمن العالمي, لغة لم نكن نعرفها من قبل, ليس كدولة بل كأمة عربية. وفي نقلة أخرى من عزم هذا القائد جاء تجاوبه وموافقته لطلب ولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز إعفاءه من ولاية العهد ليفتح المجال لجيل شباب الأسرة، فكان اختيار محمد بن نايف وليّاً للعهد ومحمد بن سلمان وليّاً لولي العهد, لتكون النقلة النوعية المدروسة الهادفة إلى إرساء دعائم الحكم -بإذن لله- بشكل منظم ومطمئن.
توحيد ووحدة هذه هي المملكة العربية السعودية, الكل بايع, والكل فرح بهذه القرارات العميقة الصائبة, والكل مدان لهذا القائد الكبير سلمان بن عبدالعزيز, قائد مختلف في زمن صعب مختلف.
المملكة العربية السعودية, مملكة الأخوة بين كافة أفرادها, الحاكم والمحكوم يعيشون في جو أخوي نادر, بل مفقود في هذا الزمن. ما أود ختم هذه المقالة به الدعاء للأمير الخلوق مقرن بن عبدالعزيز بأن تكون قادم أيامه عامرة بالصحة والعافية ورضا الله.. اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
والله المستعان،،،