ناصر الصِرامي
وصدر بيان كامب ديفيد بعد اجتماع القادة الخلجيين والرئيس الأمريكي باراك أوباما، بيان شامل يغطي كل قضايا المنطقة العربية دون استثناء، من ليبيا وسوريا ولبنان والعراق، واليمن، وأمن الخليج، والتدخل الإيراني الفج، ثم المهم الملف النووى الإيراني في إطار المفاوضات الغربية، والاتفاق الوشيك بعد نحو شهر، فالمصالح الشفهية دون تاريخ موثق لم يعد كافياً، الكلمة والعهد الشفوي على طريقة الشيوخ المحترمين والمافيا الفاسدة، لم تعد كافية، تم في البيان تدوين النوايا على الأقل بعيداً عن تفاصيل الغرف المغلقة!
ورغم كل ما فعلته إدارة أوباما في مصر وسوريا واليمن والعراق، وهروبها من اليمن وليبيا، واقترابها من قوى الشر إيران والإخوان -مثلاً- والسعي لتمكينهم، وما نتج عن كل ذلك من خراب وتخريب وزيادة عدد الدول الفاشلة بالمنطقة، إلا أن أوباما يقول: نطمح إلى أن تنعم دول الخليج بالسلم، وسنقف مع دول الخليج وسنعزز التعاون معها»!
قد تتغير اللغة والوعود والمصالح، لكن لا تنظر أبداً لصورة وردية أو مثالية لمنطقة مكتظة بالحروب والإرهاب والتطرف، والمصالح والأطماع المتوحشة، والأيدلوجيات والمذهبيات المتنافسة في تطرفها، وحلقة متصلة من المتناقض السياسي المتغير إقليمياً ودولياً بالطبع. فالرئيس الأمريكي الذي سيزور دول الخليج العام المقبل، - عام مغادرته البيت الأبيض -، ودعى لاجتماع آخر في العام نفسه طبقاً للبيان. هو في النهاية راع للمصالح الأمريكية الإستراتيجية في العالم كما تتصورها إدارته.
إيران ليست دولة مارقة أو متمردة على القانون الدولي وحسب، والبيت الأبيض نفسه أعلن بعد المفاوضات أن إيران تخصب اليورانيوم سراً وتنتهك القانون الدولي، لكن ذلك وفقاً لموقف إدارة أوباما نفسها ليس كافياً لعزلها، بل للاتفاق معها، وربما رفع العقوبات عنها.
لكن هذا ليس وضعاً أو خبراً سيئاً بالضرورة، فالحقيقة أن إدخال إيران في المجتمع الدولي وانفتاحها على الغرب ثقافياً واقتصادياً، لن يكون أبداً في صالح نظام الملالي الديني العنيف، المصدر لشروره للمنطقة، فالمجتمع الإيراني بطبيعته منفتح تاريخي، والمزيد من التمازج مع الغرب سيعني بداية النهاية للنظام السياسي الحالي المنغلق اقتصادياً وسياسياً، وإعلامياً وثقافياً.
طبيعة النظام السياسي الحاكم في طهران، أنه متدين شديد التدين لدرجة التطرف، عكس مجتمعها المتعدد العرقيات، والأكثر ميلاً للغرب ثقافياً وحضارياً، وهذا الأمر -وللمفارقة- عكس الأسرة الحاكمة في الخليج العربي، والتي تعد أكثر انفتاحاً وتحديثاً وتطويراً وارتباطاً بالمجتمع الدولي بدرجة تتفوق بالجملة على شعوبها بشكل واضح، وتسعى إلى تقدمه وانفتاحه عبر كل الوسائل المتاحة، من مشاركة وتفاعل مع شعوب العالم، وعبر انفتاح التقنية والإعلام والتعليم، وابتعاث مئات الآلاف لكل العالم للدراسة والتدريب والتأهيل، كما فتح آفاق السياحية الثقافية ورسوخ العلاقات الاقتصادية.
تركيبة النظام السياسي الإيراني الديني المتطرف، تجعله أمام محنة حقيقة للاختيار، أما أن يقبل النظام السياسي الحالي في إيران -الملالي- الاتفاق المقدم ويفتح سقف البلاد على العالم، بالتالي توسيع وفتح علاقات الداخل -الهش أصلاً - مع الخارج العالمي، إلا أن ذلك سيكون أول دقة في نعشه.
أو أن تختار إيران مواجهة العالم، والذي سيحدد الرد المناسب على وجه السرعة، وذلك باستخدام الوسائل المتاحة، بما في ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية لردع برنامجها النووي.. وتحجيم نظام الملالي القائم..!