عبدالعزيز السماري
منذ فترة غير قصيرة والأنباء تتحدث عن مشروع لتقسيم العراق إلى ثلاث دول شيعية وسنية وكردية، وقد بدأ المشروع أمريكياً منذ عام 2003 ميلادي، قبل بدء دولة داعش في مناطق السنة، وقبل دخول الصراع الطائفي إلى مرحلة الفتنة الدموية، وكأن هناك من يريد تقسيم العراق على أساس طائفي منذ أكثر من عقد من الزمان، ولتبدأ بعد ذلك مشاريع تقسيم سوريا، وربما لن تتوقف تلك المشاريع حتى تذوب الهوية العربية والدولة العربية في طوفان الطائفية، و لن تفلت إيران من مشروع التقسيم، والذي يحول الشرق الأوسط إلى كانتونات طائفية، وتكون دولة إسرائيل بمثابة الدولة العظمى والحاكم بأمره في المنطقة.
قد يكون من السهولة أن نضع اللوم كاملاً على الغرب، وعلى الإستراتيجيات السياسية لإضعاف الدول العربية بعد تحويلها إلى دويلات طائفية، لكنني أضع اللوم كاملاً على العرب وعلى العقل العربي، الذي انساق بسذاجة خلف الطائفية، بعد أن قبل أن يعيش في الماضي على اجترار الخلافات الماضوية التاريخية، ثم تحويلها إلى عقيدة سياسية شعارها الدم والكراهية، في حين تجتمع فئات لا حصر لها من اليهود من مختلف الأعراق والطوائف على أرض فلسطين، وينجحون في تجاوز سلبياتهم وقبول الاحتكام إلى طرق مدنية وقانونية وأمنية من أجل الحفاظ على دولتهم على الأرض العربية.
يفشل العرب في حماية وجودهم برغم من وجود عوامل لا حصرها من القواسم المشتركة، والتي شكلت على مر الأزمان هوية عربية مشتركة تحمل في أعماقها صلابة وعمقا تاريخيا فريدا من نوعه ، وأدت في عقود ماضية إلى طغيانها على الهوية الوطنية المحلية، لكن كل ذلك تهاوى عندما أصبح العقل العربي مهموماً بقضايا ماضوية مثل الانتقام لاغتيال الحسين والثأر من قتلة عثمان والقصاص من قتلة عمر رضي الله عنهم، لتتفجر جاهلية طائفية، وليتحول العرب إلى لقمة سائغة للاحتلال ولعودة مخططات التقسيم.
إذا قبل العرب على مختلف مرجعياتهم الدينية والسياسية بالتقسيم في العراق، فاعلم أن المشروع الطائفي سيمتد لوضع حدود للدم والكراهية داخل الدول العربية، ثم تقسيمها إلى طوائف كما كان حاصلاً في الأندلس قبل سقوطها أو في الشام أثناء الحروب الصليبية، وبذلك ستنتهي أمة العرب التي تغنى بها الشعراء، وكانت يوماً ما تسود العالم من أقصاه إلى أدناه، وسنتحول بسبب جاهليتهم إلى أكثر من أربعين دولة طائفية، وعندها لن ينفع الندم والبكاء على الأطلال.
السؤال الذي يستحق الطرح والمراجعة في هذا الزمان كيف تحول الدين الإسلامي الذي كان خلف صعود أمتهم في الماضي إلى طائفية كريهة، ستكون بمثابة المعول الهدام لتاريخهم العريق، وكيف أصبح الدين أداة قاتلة في أيدي المتطرفين والمستعمرين، وهل ما يتم تداوله هذه الأيام بين المتطرفين هو الدين الصحيح، وإذا لم يكن كذلك فأين المرجعية الدينية التي تقدم الدين الصحيح الذي يجمع بين الناس ولا يقسمهم؟!.
قد نحتاج اليوم إلى تأسيس مرجعية دينية تتكون من العلماء المعتدلين من مختلف الطوائف، وذلك لنبذ الطائفية الدموية، وإعادة القواسم الدينية المشتركة، وذلك لإخراج العراق وسوريا من مأزق الطائفية، والذي أوصل المنطقة إلى الهلاك وخطر والتمزيق، وتبدو دعوة حالمة، بعد أن تسممت عقول علماء الدين بالتطرف والدموية، وهي دعوة عسى أن تجد استجابة من الزعامات السياسية.
في الماضي كانت المرجعيات الدينية تبدي غضبها وسخطها من دعوات تطبيق العلمانية السياسية في بعض الدول العربية، ومنع تشريع الأحزاب على خلفيات طائفية، لكن لا أعلم ما هو موقفهم الآن بعد أن وصل عدد القتلى إلى مئات الآلاف بسبب طغيان الطائفية السياسية، وهل يمكن أن تصلح البلدان بدون إخراج الدين السياسي من تداول السلطة، وهل وصلوا إلى قناعة في ضرورة تطبيقها، أم يحتاجون لمزيد من سفك الدماء قبل الوصول إلى تلك القناعة الضرورية.
لن يخرج الحل من عباءة رجل الدين، ولن تنفع إستراتيجيات حصر المرجعية الطائفية في العرب، ولكن يحتاج الأمر إلى إرادة سياسية قوية لإخراج الطائفية من السياسة، وإعادة تأهيل الأوطان إلى دول مدنية، يحكمها القانون وأساليب المجتمع المدني، وأن تصدر الأوامر بمنع تدريس الدين على أسس طائفية في المدارس.
خلاصة الأمر، إذا لم يتحرك العرب سريعاً لإيقاف تقسيم العراق طائفياً، سيكون الدور على باقي الدول العربية في مشروع التقسيم الطائفي، والله المستعان.