جاسر عبدالعزيز الجاسر
تكرار تنفيذ الأعمال الإرهابية في بلادنا يُظهر العديد من الحقائق التي يجب أن تخضع للدراسة والتحليل لمعالجة القصور، وتعزيز النجاحات، التي في مقدمتها ما تحققه الأجهزة الأمنية التي سجَّلت في كشفها للعملية الإرهابية الأخيرة التي حصلت في القديح إنجازاً غير مسبوق؛ إذ كشفت خيوط الجريمة في وقت قياسي، لم يتعدَّ الأربع والعشرين ساعة، إلا أن هذا الإنجاز كشف العديد من الحقائق، لعل أبرزها أن الشباب السعودي مستهدف من قِبل الجماعات والمنظمات الإرهابية من خارج الحدود، التي لها امتدادات وعناصر تتعامل معها.
ومع عجز المجتمع والأندية الرياضية والدولة عن إيجاد برامج تستثمر أوقات الفراغ لدى الشباب، تشجعت الأجهزة الاستخبارية الإقليمية للعمل مع الجماعات الإرهابية للتغلغل في الأوساط الشبابية، واستغلال الطاقة الفائضة لديهم، وتوجيههم لخدمة أجنداتها الإرهابية.
وهكذا يصبح الشباب السعودي جنوداً مجندين لخدمة الجماعات الإرهابية التي تنشط في أوساط الشباب، ولهم أساليب عديدة لتجنيدهم؛ إذ ما زالت الأساليب التقليدية التي يمارسها المتطرفون مستمرة دون أن تتدخل الأجهزة المختصة لمنعها رغم ثبات خطورتها وسلبيتها. ولقد ذكر لي شباب من أبناء العائلة، أعمارهم لا تتجاوز العشرين عاماً، أنهم كثيراً ما يتعرضون لدعوات ملحة من قِبل شباب أكبر منهم عمراً لحضور ندوات خاصة، أو الاشتراك في مخيم دعوي، وأن الذين يوجهون هذه الدعوات يتوجهون إلى تجمعات الشباب عند المطاعم والمقاهي، بل إن بعضهم يفرض نفسه خطيباً موجِّهاً النصائح في قوالب دينية، يتخللها تحريض على مكونات أخرى من المجتمع، أو فئات فكرية وثقافية، وحتى مذهبية.
فِرق التنظيم هذه إن صح التعبير تنتشر دائماً بعد صلاتَيْ المغرب والعشاء، وتتكون من شخصَيْن يستهدفان تجمعاً شبابياً صغيراً موجوداً عند مطعم أو مقهى. أما الذين يذهبون إلى الاستراحات والمخيمات والمقاهي الكبيرة فعادة ما يكون عددهم سبعة أشخاص أو حتى عشرة، أحدهم يتجه مباشرة إلى إطفاء التلفزيون، والآخر يمسك بمايكروفون يدوي، ويلقي محاضرة، تتضمن نقداً وتجريحاً للحاضرين الذين يضيعون وقتهم في المقاهي والاستراحات، فيما يقوم الآخرون بتوزيع كتيبات خاصة. وبعد نصف ساعة أو أكثر يغادر هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالدعاة محققين عكس ما يهدفون إليه؛ إذ يتركون انطباعاً سلبياً على ما قاموا به لشعور الحضور بأنهم مطاردون حتى في أوقات فراغهم، وأن خصوصيتهم تُخترق حتى في هذه الفسحة من الوقت.
إذن، ماذا يمكن أن نعمل لنقدم للشباب ما يمنع هؤلاء المتطفلين من استغلالهم وحتى تجنيدهم؟ وما هو دور المجتمع والدولة في تهيئة السبل لإشغال فراغ الشباب في أعمال نافعة رياضية وثقافية واجتماعية؟
لماذا لم تستثمر الأندية الرياضية المنتشرة في جميع بقاع المملكة، وهذه الأندية التي تحمل اسم (ناد رياضي ثقافي اجتماعي)، ومع هذا لا يقوم هذا النادي إلا بخدمة ألعاب رياضية معدودة، واهتمامه الأولي بلعبة كرة القدم التي لا يتجاوز من يمارسها من المنتسبين للنادي في أكبر الأندية الشعبية مئة لاعب أو أكثر قليلاً؟
أين هذه الأندية من البرامج الرياضية المجتمعية والبرامج الثقافية التي تشارك بها جميع فئات المجتمع؟
جمعيات المجتمع المدني أين هي من خدمة المجتمع ومواجهة الظواهر السلبية المضرة؟ هل أطلقت برامج تطوعية لتطوير ذوات الشباب وإشغال أوقاتهم بما ينفعهم وينفع وطنهم، ويبعدهم عن استغلال الجماعات الإرهابية الموجهة من خارج الحدود من قِبل جهات استخبارية إقليمية ودولية؟