أ. د.عثمان بن صالح العامر
* كثيرون يحاولون سرقة فلذات أكبادنا من بين أيدنا ومن خلفنا، فمخططو الفكر الإرهابي المتطرف ومفكروه ومنظّروه، يواصلون الليل بالنهار لجعل صغارنا وقوداً لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومروّجو المخدرات يعدّون هذه الشريحة هي السوق الذي فيه مكسبهم الحرام، خاصة في مثل هذه الأيام التي تجري فيها اختبارات نهاية العام، ومنتجو الأفلام والألعاب الإلكترونية، وناشرو الإشاعات في العالم الافتراضي، ومسوقو السياحة الخارجية التي لا ضابط لها ولا مشرع، وموقدو جذوة الطائفية والعنصرية القبلية والمناطقية والرياضية، وناقلو الأفكار الغربية الإلحادية أو الليبرالية والبراجماتية و...، كلهم يحاولون جاهدين أن يختطفوا الأبناء بطريقة أو بأخرى، ووسيلتهم الأهم والأخطر المواقع الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا تعتد بقيم ولا تؤمن بحدود وضوابط وخصوصية ودين.
* لقد كانت الأخطار التي تهدد أسرنا فيما مضى محدودة التأثير، محلية الصنع، واضحة المعالم، وكان الفراغ والمال لا وجود لهما في قاموس الصغار.. كان أهل الحي بدءاً من إمام المسجد وحتى الجار القريب يتعاونون في متابعة ومعاقبة المتهاون والمقصر، فضلاً عن كون العيب الاجتماعي إذا التصق بالمرء قدح في مساره المستقبلي، وقد يحرمه التمتع بالحقوق الاجتماعية العامة، وهي - أي الأخطار - اليوم تتسم بالخفاء، والقدرة على التسلل لواذاً داخل أروقة مساكننا متلحفة بدغدغة الغرائز، متسلحة بتوظيف العاطفة وتعزيزها في النفوس المستكينة القابلة للتشكل في ظل غياب التربية الممنهجة الصحيحة.
* إننا أمام أزمة تربوية، ولّدت القابلية للاختطاف أو الانحراف أو الاغتراب أو التنصل من المسئولية وعدم الشعور بحجم التحديات والمخاطر، وغياب التفكير الجاد في المآلات والمستقبليات، ولذلك كان هذا التفكك الأسري والفوضى المستعصية التي تشتكي منها بعض بيوتنا السعودية.
* الولد كما أنه نعمة فقد يكون فتنة ونقمة، والمعادلة الأصعب في حياتنا : كيف نضبط البوصلة التربوية لنصل بهذا الكنز الثمين الذي رزقنا الله إياه إلى بر الأمان، يتمتع بالصحة النفسية الجيدة، ولديه علاقات اجتماعية متميزة، ويملك تفكيراً عقلياً رصيناً، ويُعرف عنه روح المبادرة والثقة والعلم المتخصص، فضلاً عن الدين الذي يردعه عن كل ما يشين ويقدح في وسطيته وسلفيته التي عرفها منذ نعومة أظفاره تعلماً وتطبيقاً، ويحتفظ فوق هذا وذاك بصداقات ناصحة وفاعلة إيجابياً.
* إن من الواجب أن نتكلم عن «القابلية» هذه، أكثر من كلامنا عن جهود المختطفين التي يبذلونها لسرقة أعز ما نملك في وضح النهار؛ فيشوهون عقيدتنا ويضربون وحدتنا ويزعزعون أمننا ويعيقون تنميتنا ويئدون نهضتنا ويشككون في قادتنا وعلمائنا وصنّاع القرار فينا، ذلك أنّ أولئك أعداء وهذا ديدنهم عبر التاريخ، ولو كان منا الحماية وبذل الجهد في بناء الممانعة والحصانة الحقيقية والدعاء لذرِّياتنا بالصلاح والاستقامة والاعتدال، لما استطاعوا الوصول إلى عقول وأفكار وعواطف أبنائنا كما هو حادث اليوم للأسف الشديد، ولن يتأتى هذا إلا بالتربية الجادة، وتنمية النقد الذاتي لدى هؤلاء الأبناء حتى يكبروا وتكبر معهم ملكة التمييز بين خيري الخيرين وشر الشرّين.
* هذا عن الأبناء في الأُسر القائمة المستقرة، أما عن أبناء المطلقات والأرامل والأيتام ومجهولي الأبوين وذوي الظروف الخاصة فحديث آخر يطول، أتركه للقاء قادم بإذن الله، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود وإلى لقاء والسلام.