أ. د.عثمان بن صالح العامر
لم يكن مشوار بناء وإعداد وتكوين المعلم في المملكة العربية السعودية بالطريق السهل، ولم تكن عملية الإحلال والإبدال في مدارس الجنسين البنين والبنات ولجميع المراحل التعليمية وبمختلف التخصصات الشرعية والعلمية والإنسانية واللغوية، أمراً ممكناً وفي دائرة المستطاع على الأقل في الزمن المنظور في تاريخ تعلمينا الحديث، لولا انبراء رجال ونساء مخلصين لدينهم وقادتهم وشعبهم ووطنهم الذي عرفوه هجرة وقرية ومدينة ومنطقة، فكان من أولوياتهم في الحياة بذل الجهد خدمةً لجميع شرائح مجتمعهم الذي ينتمون له ويفخرون ويفتخرون به في كل محفل وعلى كل حال، وإن عد هؤلاء فإنّ الأستاذ الدكتور محمد بن حسن الصائغ من أبرزهم وأكثرهم حضوراً وفاعلية خاصة في مرحلة كليات المعلمين التي صارت اليوم وللأسف الشديد أثراً بعد عين.
لقد اتصل بي منتصف الأسبوع الماضي الأخ العزيز والصديق الوفي الدكتور علي عفنان العفنان يدعوني باسم الزملاء منسوبي الكليات مساء هذا اليوم الجمعة لحضور توديع « أبي حسن «، الذي عاش سنوات من عمره حاملاً همّ إعداد المعلم وتطويره ورفع كفاءته وتحقيق جودة أدائه وإتقانه لمادته العلمية، وامتلاكه مهارات التدريس وإدارة الصف في المرحلة الابتدائية وكذا المتوسطة ، وحقّ لأمثال هذا الرجل المتميز أن يُكرّم تكريماً يليق بحملة مشعل العلم وقادة مؤسساته، وأن يشاد به ويشهد له ويكتب عنه ويذكر عبر وسائل الإعلام المختلفة ما قدم لأمته ووطنه، شكراً له واعترافاً بجميل صنعه الذي وفقه الله له وأعانه عليه، خاصة من قِبل من عرف الدور الذي قام به إزاء العملية التعليمية والتربوية التي هي همٌّ جاثم على صدر كل ولي أمر ووطني مخلص.
- وكيف لا يكرم الدكتور الصائغ وقد كُرم من لدن ولي الأمر بوسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 1420 للهجرة.
- وكيف لا يكرم وقد ارتبطت كليات المعلمين باسمه شخصياً، فصار كل طالب يعرف من هو هذا الرجل الذي تميز بحمله حقيبة إعداد المعلم بكل فخر واعتزاز.
- وكيف لا يكرم من جعل عمداء كليات المعلمين في زمنه أسرة واحدة وبنيان مرصوص يتنافسون ولا يتحاسدون، يتواصلون ولا يتقاطعون، يتعاونون ولا يتناكرون.
لقد تشرفت بالعمل مع الدكتور الصائغ وتحت إدارته حين كان وكيلاً لوزارة التربية والتعليم لكليات المعلمين، وكنت آنذاك عميداً لكلية المعلمين بحائل، فعرفت منه وحفظت عنه أهمية استمرار وبقاء كليات المعلمين بعد سلخها من وزارة التربية والتعليم ودمجها في وزارة التعليم العالي؛ فالمعلم - كما كان يقول ويكرر في كل مناسبة رسمية وشخصية، مكرم من الله، ومشرف بحمل رسالة التبليغ والتعليم، وهو حجر الزاوية في بناء الأمة وإعداد الجيل، ولذا لا يمكن بحال أن يستغنى عن كليات المعلمين، فالحاجة للمعلم الجديد، وتطوير وتنمية مهارات المعلمين الذين هم على رأس العمل عملية دائمة يحتاجها الميدان التربوي بشكل مستمر.. ولعل ما طرحه الصائغ في ذلك الوقت من وجوب جعل كليات المعلمين جامعة مستقلة لها فروعها في جميع مدن ومحافظات المنطقة، ومنحها وحدها الحق المطلق في تخريج معلمي مراحل التعليم العام الثلاث على يد متخصصين ومؤهلين علمياً وتربوياً.. أقول لعل طرح فكرة وجود جامعة خاصة بالمعلم يعود من جديد في ظل سعي القيادة الحكيمة اليوم تطوير مدارسنا وتعزيز فاعلية معلمين في عصر العولمة الصعب.
نعم قد يكون هذا الطرح لـ» أبي حسن» سابقاً لزمانه؛ فها هو معالي وزير التعليم بعد أن تحقق دمج الوزارتين (التربية والتعليم والعالي) يولي جل اهتمامه للمعلم، ويركز في خطاباته وتغريداته واجتماعاته على صُنع معلم القرن الحادي والعشرين الذي يستطيع أن يمتلك مهارات التفاعل الإيجابي مع متطلبات مدرسة المستقبل.
لقد عدنا إلى المربع الأول الذي دافع ونافح عنه وكافح رجالٌ لن ينساهم التاريخ وعلى رأسهم وأولهم معالي وزير التربية والتعليم الأسبق، الرجل التربوي بامتياز، الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وسعادة وكيل الوزارة لكليات المعلمين الدكتور محمد حسن الصائغ، وعمداء كليات المعلمين التي جاوز عددها العشرين كلية، والذين كانوا كما أشرت أعلاه أسرة واحدة يجمعهم الهم المشترك ويوحدهم التفكير الجاد في إيجاد معلم وطني صالح ومخلص وصادق ومؤهل علمياً ومهارياً.
شكراً أبا حسن على غِراسك الذي غرست، وبذرك الذي زرعت، وعطاءك الذي قدمت، وجهدك الذي بذلت، ووقتك الذي أمضيت خدمة للعلم وطلابه ومريديه في وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية.. شكراً عمداء وأساتذة كليات المعلمين ومنسوبيها على ما بذلتم وقدمتم من أجل جيل سعودي مميز.. شكراً من القلب لكل المخلصين من أجل الوطن، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.