موضي الزهراني
تشير الكثير من الدراسات الأمنية والفكرية بأن الجهل بحقيقة الدين من أهم الأسباب المؤدية للانحراف الفكري وما يتبع ذلك من إرهاب رعنف، فالاكتفاء بالنظرة السطحية لأحكام الدين، والتعالم والغرور على العلماء والناس، والميل الدائم إلى الإسراف في التحريم وتوسيع دائرة المحرمات أيضاً من أسباب الغلو في الدين والانحراف الذي يتسبب في انقسامات حادة بين تيارات مختلفة تؤدي بالتالي لطريق الإرهاب الذي لا يقره الدين الإسلامي ويرفضه، وهذا ما أشارت له دراسة (د. عبدالحفيظ عبدالله المالكي - نحو مجتمع آمٍن فكرياً - 2010م) وأبرز حادثة على ذلك تفجير القديح الذي تبناه تنظيم داعش والمشهود له بالتشدد في الأمور كلها، وراح ضحيته مواطنون آمنون في بيت الله وهو المكان الوحيد الذي يشعر فيه المصلون بالأمان ! فهذه العمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين بغض النظر عن تياراتهم الدينية والفكرية، لا يهُم المخططين والمنفذين لها إلا تحقيقها عاجلاً بدون اعتبار للنتائج، فأصبحت تُقدم مؤشرات واضحة وخطيرة تهدد الأمن الوطني، مما يستوجب استدراك ذلك عاجلاً من الجهات الأمنية العليا. ومن أخطر تلك المؤشرات هو استغلال الشباب صغار السن في التنظيم الإرهابي لتنفيذ عملياتهم الانتحارية بسهولة، وكذلك استغلال النساء كما حدث في العمليات التي شهدتها بلادنا في السنوات الماضية! حيث إن استغلال صغار السن في العمليات الانتحارية لا يتوقف سببه على الفجوة بين علماء الدين والشباب، بل لضعف الضبط الأسري بالدرجة الأولى، ووجود الخلل القوي في التواصل الآمن ما بين الوالدين والأبناء، فالعلاقات داخل الأسرة طغت عليها الرسمية والجفاف، وتفتقد للعلاقة الوالدية المطمئنة، تلك العلاقة التي يكون بسببها الشباب مكشوفين وواضحين أمام أسرهم. فالأسر المُقصِرة في تربيتها لأبنائها نتيجة اهمالها وتفككها وعدم مراعاتها لخصائص النمو وحاجاتهم وتغيراتهم النفسية كما أشارت دراسة (الدكتور سعيد المغامسي عام 1424 - بعنوان التربية الإيمانية وأثرها في تحصين الشباب من الانحراف) لها دوركبير في دفعهم للتهور والتهاون بمصيرهم، وإصرارهم على البحث عمن يشبع لديهم التعزيز الذاتي، ويعالج الخلل الذي بداخلهم بسبب المعاملة السيئة التي عانوا منها داخل أُسرهم! فهناك أمهات وآباء أنانيون لا يفكرون إلا في ذاتهم ولا يفكرون في احتواء أبنائهم خاصة في الأسر المنفصلة والتي يتعرض أبناؤها للقسوة ولاضطهاد والحرمان حتى من الطعام والنوم الهادئ وهم بين والديهم! فما المتوقع بعد ذلك من جيل يعيش الذل والهوان بين أهله؟!
هل سيكون مستقراً نفسياً وناضجاً فكرياً ومتفائلاً بمستقبل ناجح يحقق أحلامه بالرغم من المعاناة التي يواجهها من أقرب الناس له؟! أو سيكون مندفعاً ومتهوراً ومن السهل تشكيله ليكون انتحارياً لا يندم على شيء وراءه مادام منبوذاً من طفولته!
لذا لا يصح أن نستهين بالعنف الأسري، ولا بأهمية أنظمة الحماية من الإيذاء، ولا بأهمية العقوبات المشددة ضد من يتخلى عن دوره الأسري ويتسبب في تقديم أبنائه للتنظيمات الانتحارية بسهولة!