د.فوزية أبو خالد
تفكيك الجريمة
للجهات الأمنية أن تفكك الجريمة بأدواتها وأساليبها الاستخبارية والقانونية والشرعية؟ وللصحافة أن تفكك الجريمة بالصورة والخبر والإدانة المنطقية والوجدانية وعلى كتاب الرأي أن يجهدوا ويجتهدوا في تفكيك الجريمة
بما يمدنا بالبصيرة في قراءة الحدث؛ ليس فقط تلك القراءة الآنية بل بتقديم قراءة معمقة تضيء وتتساءل وتعقلن وتستبق تحول الشرر إلى حريق.
ومن حق المواطن، وكلنا مواطنون، دولة ومجتمع سنة وشيعة وعلى تنوعنا ألا نقبل التحول إلى ضحايا أو إلى أدوات في يد من يريد تحويل سلمنا الأهلي إلى صراع، وتحويل وحدتنا الوطنية إلى إنقسامات واحتراب وتشظي وتحويل الأمن إلى خوف وترويع.
ما الدافع لمحاولة تكرارالجريمة البشعة التي استباحت أرواح المصلين وحرمة بيوت الله وحرمة النفس الإنسانية في الجمعة التالية لأول جمعة من شهر شعبان بنفس سيناريو الخيانة والغدر؟
من الذي يريد أن يحول المساجد إلى محارق، ومن الذي يريد أن يحول المدنيين إلى ضحايا، ومن الذي يريد أن يحول الوفاق الأهلي بين الشيعة والسنة إلى حالة حرب وثارات دم؟
لماذا عاش ويعيش السنة والشيعة في وئام اجتماعي يتجاورون ويتحابون ويتزاوجون ويتشاركون في الخبز والملح على مدى عصور تاريخية طويلة دون أن يخرب إئتلافهم اختلافاتهم في الفروع أو الأصول؟... ولماذا يجري العمل اليوم على تقويض ذلك بجرة أحزمة ناسفة، ليس لها رب ولا عندها دين أو ضمير؟
ولماذا لا يتحول الاختلاف المذهبي التاريخي بين أبناء الوطن الواحد إلى حالة من التنافر والتوتر تقود إلى احتراب إلا في ذروة الأزمات السياسية التي تجنح إلى التحشيد لصراعها بالتأجيج الطائفي وبخلق الثارات بين أبناء الحلم والوطن الواحد؟
هل كان هناك احتكاك عدائي على مستوى شعبي ووطني بين السنة والشيعة قبل تلك الجرائم الآثمة في الدالوة والقديح والدمام؟
هذا الأسئلة التفكيكية تهدف لأن نرى الكارثة من غير زاوية النظر التي يريد العدو أياً كان أن يحشرنا فيها. فتلك الزاوية الضيقة في النظر إلى الجريمة كحادثة عداء مذهبي تجعل لاسمح الله الإنقسام مطلبا إنقاذيا كما يحدث اليوم في العراق وسوريا عسكريا وسياسيا كما تجعل التقسيم الجغرافي والزعامات الطائفية التسلطية خلاصا كما يحدث اليوم أيضا في عدد من المناطق السورية والعراقية معا وفي ليبيا واليمن.
هذا فيما واقع الحال أن الجرائم التي جرت بالمنطقة الشرقية مؤخرا ماهي إلا جزء من مخطط سياسي لإختراق أرض الجزيرة العربية وإدخال المملكة في فوضى تقويض الدولة والمجتمع معا وتشريد الشعوب. وإذا كانت السعودية قد نجت بخارطتها الحدودية في القرن الماضي من أن تكون عرضة لمقص سيكسبيكو, فإن جرائم إفتعال العداء بين السنة والشيعة بإدخال عنصر التقاتل بينهما على الهوية المذهبية تبدو كمحاولة وقحة لإلحاق السعودية بأثر رجعي في سيكسوبيكو بنسختها الجديدة ضمن مشروع عسكري سياسي.بما يعمل على إعادة تقسيم المنطقة العربية او كما يقال تفتيت المفتت وإعادة إقتسام المقسم على عدد من القوى الدولية والإقليمية الناشطة على مسرح التقسيم اليومي والمتمثلة في توافق قوى الهيمنة الغربية الامريكية وفي العدو الإسرائيلي وفي مد الدولة الإيرانية الطائفية.
إن تفكيك تلك الجرائم لنرى مكوناتها السياسية الحقيقة هو عنصر هام من عناصر عدم الإستسلام لرؤية العدو الرباعي المتمثل في مصالح الهيمنة الغربية الامريكية بالمنطقة وفي دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني إسرائيل وفي الدولة الثيوقراطية الطائفية إيران وفي المد المتشدد للإسلام العسكري السياسي المتذهبن. والأخير هو ما يتمثل اليوم في الميليشيات الشيعية المتطرفة وفي التنظيمات السنية المتشددة التي لاتقل تطرفا. فتلك الجرائم هي مايمكن أن نسمية «جرة الأثر» أو «قيافة الدم» لذلك التحالف غير المقدس بين تلك القوى على ما بينها من تناقض يجري احتواؤه لريثما يتم إنجاز التقويض.
إن وقفة الشباب البطولية التي أفشلوا بها مع قوى الأمن تحويل مسجد الإمام الحسين بمنطقة العنود بالدمام إلى مسرح جديد لجريمة جديدة تشكل نواة رمزية لمواجهة استهداف السلم الأهلي ووحدة الوطن بلحمة وطنية متحررة من أي نزعة طائفية تصارعية.
وقفة وفاء
لجميع الأمهات والآباء وللسيد جمعة الأربش وزوجته أحر الدعاء أن يلهمهم الرحمن الصبر وعظيم الأجر على فقدان فلذات الكبد في ريعان العمر الشابين الشهيدين عبد الجليل ومحمد رحمهما الله وأكرم مثواهما.
و لأم الشهيد محمد العيسى الزميلة الصابرة الصامدة الشاعرة والكاتبة كوثر الأربش ولأبو محمد أصدق العزاء.