د.عيد بن مسعود الجهني
في حقبة الستينيات من القرن الماضي وحتى انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوط جدار برلين، شهد العالم صوراً من التدخل السوفيتي في شؤون العالم الثالث، لبسط نفوذه ونشر المبادئ الشيوعية، والولايات المتحدة كانت تنافسه في هذا المجال، حاولت وتحاول بسط نفوذها على كثير من دول العالم..
..مستخدمة في ذلك سلاح المعونات والسيطرة من خلالها على إرادة الأمم، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح تدخل أميركا لفرض نفوذها أكثر جرأة ووقاحة، وهذه الجرأة على التدخل في شؤون الدول بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كانت لها آثار وخيمة على أمن العالم واستقراره.
هذا رغم أن قيام دولة بالتدخل في شؤون دولة أخرى، يعد انتهاكاً لاستقلال تلك الدولة وسيادتها، وخروجاً على حكم الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، الذي وُضع لحماية سيادة الدول وشرعيتها.
وأياً كانت الأسباب الداعية للتدخل، فإنه مع وجود هيئة الأمم المتحدة بمجلس أمنها وجمعيتها العامة وهيئاتها المتخصصة، فإنه لا يجوز لأي دولة مهما كانت الأسباب أن تتدخل في شؤون دولة أخرى، سواء الداخلية منها أو الخارجية إلا عن طريق الأمم المتحدة أو بواسطتها، وإلا كان ذلك انتهاكاً لمبادئها التي وردت في ميثاقها.
وطهران اليوم تمثل خطرا محققا على الأمن القومي العربي والسلام والعدل الدوليين، فالدولة المجوسية منذ قيام ثورتها عام 1979 وهي تعلن تصدير ثورتها وتدخلها السافر في شئون الدول العربية والإسلامية.
ولا تخرج تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين التي اعتبرت مملكة البحرين المحافظة الرابعة عشرة لإيران عن هذا المفهوم القانوني للتدخل، وحقيقة الأمر بالنسبة لمملكة البحرين أن التهديدات الإيرانية قديمة حديثة، فالشاه الذي كان يعد شرطي أميركا في الخليج أطلق تهديدات مماثلة ضد البحرين في السبعينيات، واليوم تكرر طهران التهديدات نفسها وإن كانت بلهجة أقوى، وهذا يعد تهديداً بانتهاك سيادة واستقلال دولة ذات سيادة تامة، وإذا كان القانون الدولي يمنع التعدي على سيادة الدول، فإنه أيضاً يمنع مثل هذه التصريحات لما لها من آثار سلبية قد تؤدي إلى اضطراب الأحوال داخل الدولة المعنية.
ثم إن إيران تحتل جزر الإمارات العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ويعلن مسئولوها جهارا نهارا أن دولة الإمارات إذا أرادت عودة تلك الجزر فعليها أن تسبح على نهر من الدماء، هذه هي إيران التي تعد الأخطر اليوم على الأمن القومي العربي خاصة أمن الخليج العربي.
هذه هي الدولة المجوسية التي أعلنت منذ أيام قليلة وتتبجح مرارا وتكرارا أنها تطبق الآن على أربع دول عربية (تقصد العراق وسوريا ولبنان واليمن)، العراق قدمته لها أمريكا على طبق من ذهب، وقبل الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله لم تستطع دولة الفرس خلال ثماني سنوات من حرب ضروس أن تحتل شبرا واحدا من أرض العراق، لكن جاء الاحتلال ليدمر العراق ويشتت شمل أهله ويمهد الطريق للتدخل في ذلك البلد الذي تولى قيادته رجال من الشيعة جاءت بهم أمريكا وبريطانيا من بعيد.
اليوم إيران تعلن تطوعها لدحر داعش الإرهابية وحقيقة الأمر أن إيران وأمريكا ودولا أخرى هي الداعم والممول والمخطط لداعش وغيرها من المنظمات الإرهابية والهدف هو زلزلت النظام والأمن القومي العربي أولا وأخيرا، والدليل أن حزب (الشيطان) في لبنان هو منظمة إرهابية، تدرجه الولايات المتحدة في مقدمة قائمة المنظمات الإرهابية، لكن ماما أمريكا بقيادة السيد أوباما تتعاون مع طهران سرا وعلنا ضد المصالح العربية خاصة الخليجية منها، ولا ينكر ذلك إلا صاحب بصيرة عمياء!!
الدليل أن البيت الأبيض يعمل ليل نهار للتوصل مع طهران إلى اتفاق (أعرج) بشأن الملف النووي الإيراني، وفي سبيل ذلك فإن الولايات المتحدة ومن خلف ستار تتعاون مع إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وكل ذلك التعاون المعلن والخفي بين الدولتين هو دعم قوة إيران وأضعاف قوة العرب والكاسب الرئيس إيران، وعلى العرب الاستفادة من هذه العبر والدروس.
الدليل الآخر على تورط السيد أوباما في قضية وقوفه مع المصالح الإيرانية والشيعة عموما، أن الرجل طلب من إيران المساعدة في اليمن، فكيف لرئيس أعظم دولة على وجه الأرض أن يطلب مساعدة دولة يعلم علم اليقين أنها تدعم الإرهاب وتتدخل في الشئون الداخلية لدول أخرى لها علاقات متميزة مع دولته!!
ثم إن طهران تعلن أن لها القدح المعلى في أربع دول عربية، وهذه الدول ترتبط بعلاقات تاريخية مع الولايات المتحدة، فالواجب أن يكون للإدارة الأمريكية موقف محدد من التدخلات الإيرانية التي هي ضد القانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.
ثم أيضا إن الإدارة الأمريكية التي تطلب مساعدة إيران في اليمن، لماذا هي (أمريكا) لم تنفض غبار الصمت عن سياستها الخارجية وتهب لمساعدة اليمن ضد الحوثيين الإرهابيين وعلي صالح (الخائن) الذين قتلوا وشردوا أهل اليمن شماله وجنوبه بأسلحة وعتاد إيراني وتدخل سافر في شئون دولة أخرى غير مسبوق في المنطقة العربية.
أما موضوع بلاد الشام وأهله الذين قتل منهم أكثر من نصف المليون وجرح أضعاف مضاعفة لهذا الرقم الخطير وشرد أكثر من (6) ملايين من أهل ذلك البلد ودمر الشجر والحجر، على يد سلاح إيراني وروسي وحزب الشيطان، فإن بلاد العم سام ورئيسهم السيد أوباما الذي يرى ذلك وأعلن مرارا أن استعمال الأسلحة المحرمة دوليا يعتبر خطا أحمر يستدعي التدخل الأمريكي لردع المعتدي (بشار طاغية الشام) وعندما تجاوز بشار المجرم مرات ومرات الخط الأحمر نكص أوباما بوعده من أجل عيون طهران وروسيا في تقاسم نفوذ جديد على حساب أرض العرب وأمنهم القومي، وما زالت الإدارة الأمريكية وإيران وروسيا يتشدقون بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وهم منها براء براءة الذئب من دم يوسف.
المهم أن ما يعانيه الوطن العربي اليوم من حروب وويلات وانهيار اقتصادي هو نتيجة لذلك التدخل الغاشم في شؤون بعض الدول العربية وسيادتها وعدم احترام شرعيتها، وأميركا وطهران وروسيا بتصرفاتها هذه تمثل استعماراً جديداً، شاء العالم أم أبى، فعلى الرغم من الشعارات الجوفاء التي تدعي تبنيها مثل مبادئ المحافظة على استقلال الدول ومحاربة الاستعمار بصوره المختلفة، ونشر الديموقراطية ودعم الحريات وحقوق الإنسان، فإن قيامها بهذه التدخلات يكذب تلك الادعاءات ويجعل من طهران وأميركا وروسيا أكبر عدو للعدالة والديموقراطية، وأكبر مخترق لحقوق الإنسان وحريات الشعوب.
إن على إيران وملاليها وزبانيتها أن تفهم أن عليها احترام سيادة الدول العربية التي تحدث قادة إيران أنهم يسيطرون عليها (العراق- سوريا- لبنان- اليمن) طبقا لمبادئ إعلان حقوق الدول وواجباتها الصادر عن الجمعية العمومية بقرارها رقم 2625 في دورتها الخامسة والعشرين بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1970، ومن أهم المبادئ التي تضمنها الإعلان أن على كل دولة الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى، ويدخل في إطار هذا الواجب الامتناع عن إثارة الاضطرابات الداخلية في الدول الأخرى والامتناع عن تنظيم أي نشاطات في إقليمها تستهدف إثارة مثل هذه الاضطرابات.
وإذا لم تفعل طهران فإنها ستواجه (بالقوة) التي هي اللغة التي تفهمها إيران، وقد ذاقت إيران وحزبها الحوثي وعلي صالح (الخائن) مرارة القوة.. (قوة الحزم) التي جاءت بوقتها لتعلن لإيران وأتباعها أن (القوة) تقطع اليد التي تمتد لتعبث بأمن الدول.. وإن هذه (القوة) مستعرة نيرانها حتى تعود طهران ومن معها إلى الرشد، وتحرير اليمن من العصابات الحوثية وعلي صالح وإيران وتعود الحكومة الشرعية لممارسة مسئولياتها على كل الأراضي اليمنية.
وإذا كانت إيران ترى أنها (قوة) إقليمية كبرى، وأنها تتعامل مع العرب خصوصا الدول العربية المجاورة لها وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحتل جزرها الثلاث بلغة القوة وتتدخل تدخلا صارخا في شئون أربع دول عربية، فإن طهران رأت عبر ودروس القوة المضادة (عاصفة الحزم) التي هبت لنصرة اليمن وأهله ضد المعتدين الطغاة، والمطامع الإيرانية.
وإذا كانت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أخذت على عاتقها قيادة التحالف العربي لدحر عدوان إيران وزبانيتها، فإن هذا القرار التاريخي غير المسبوق إحدى ثماره الطيبة إضافة إلى وقف التمدد الإيراني تفعيل تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، كما جاء في البيان الختامي لرؤساء أركان جيوش الدول العربية في القاهرة مساء الأحد الماضي، حيث خلص الاجتماع إلى دعوة فريق رفيع المستوى يعمل تحت إشراف رؤساء أركان القوات المسلحة العربية لدراسة الجوانب كافة المتعلقة بالموضوع.
* وفي هذا (قوة) للعرب التي أصبحت ضرورة وليس ترفا.
* وفيه قوة لردع إيران وغيرها.
* وفيه قراءة للتهديدات الخارجية والمطامع الإقليمية من الخليج إلى المحيط.
* وفيه تشييد بنية إستراتيجية تحفظ الأمن القومي العربي في ظل ما تشهده المنطقة من تدخلات وصراعات متلاطمة وإرهاب شرس على المنطقة برمتها.
والله ولي التوفيق