د.محمد الشويعر
كان هذا في عام 1432هـ وهو في حقيقة الأمر لقطات غير مرتَّبة من كتاب للشيخ علي؛ لأن إندونيسيا, واسعة الأطراف, وجزرها متعددة حسب كتابه, الذي طُبع في طبعته الثانية عام 1432هـ الموافق 2011م, وفيه انطباعاته عن تلك الجزر المتناثرة في المحيط, وهو لا ينقص عن عام 1432هـ، والمؤلف الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -.
لكن الفرصة الطيبة للناشر بإعادة الطبعة؛ لما فيه من تجديد بهامشه. لأن الكتاب جيد, وبأسلوب المؤلف الممتع - رحمه الله - فكان لا يخلو من الممازحات.
وكان - رحمه الله - قد أهداني نسخة من هذا الكتاب، وأعطاني إياه, عندما كنت وإياه في رحلة ممتعة من الرياض إلى جدة، ثم منها إلى أبها, وقد سكنّا سوياً في خميس مشيط, وعندما كنت أعرفه فقد بيّتُّ له. فكان التعارف الذي استمر في مكة المكرمة، حتى تاريخ وفاته - رحمه الله -.
وقد أهداني كتابه في إندونيسيا أو على الأصح: عن إندونيسيا التي زارها، حيث وعدني بذلك الكتاب, وذكّرته, ولكنني وفاء له - رحمه الله -، قد وعدته إياه بعد الدراسة والقراءة المتأنية.
وقد ذكّرته ذلك في دمشق, فذكّرني عن: تاريخ الدولة العثمانية التي بسطها في تاريخها ضمن ما كان يكتب، والتاريخ عبر؛ لأنه قال لي: وكنا أنا وهو ساكنيْن سوِياً في القاعدة العسكرية بخميس مشيط التابعة لأبها، وقبلها كان لي به رابطة, فكان يقصُ عليَّ كتبه, وعن أسفاره التي انتهت به إلى مكة المكرمة.
فحكى لي عن سوكانو, وامتدحها وتشوَّق إلى أن يزورها, ولكنه صدق في محبته لها، فعلق بذهني، وسجلت منه بعض المعالم عنها, وكنت أدوّن ما قال عن إندونيسيا، ثم أهداني نسخة من كتبه.
وقد أُتيحت لي زيارة لإندونيسيا, في عودتي من أستراليا، وجعلتُ العودة من أستراليا أنا وزميل معي, ونحن في سدني, ورأيت أن تكون العودة للمملكة عن طريق إندونيسيا, وشوَّقني لذلك الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله -.
فكان يقول عن إندونيسيا: بأنه قد جلس فيها من أجل فلسطين, مدة طويلة, فسجلت عنه وعن غيره, بعض المعلومات, ولما قارنتها بما لديّ - في مذكرتي عنه - رحمه الله, فقد كان يُسمِّي العاصمة: «جوكجا» فإنها في هذا الوقت فيما أعتقد: جاكرتا, فلست أدري أيهما الأصح, ولكنه حددها بزيارة الملك السعودي, فيصل - رحمه الله -.
ويسرني أن أتحدث عن العاصمة حسبما ذكر المؤلف: فهي البلدة العظيمة. قال: أما البلدة القديمة, فهي مربعة: عليها سور قائم, طول كل ضِلع من أضلاعه, نحو ألف متر, يكاد قصر الملك يحتـلُّ ربعها وما هو بالبناء المشْمخِر.
وتحدّث باسمها بأنه البلدة القديمة, يحتل ربعها - بالبناء العالمي وسمَّاها: البلدة القديمة: ولعل كلمة المسلَّح هم يسمونه «المشمرخ».
قصر الملك: تكاد مبانيه أن يكون ضلعٌ من أضلاعه نحو ألف متر مربع, ولكنه دور صغيرة أنيقة، له باب كبير, وأمامه ساحة واسعة, فيها صفوف «دور صغيرة» من عمالقة الأشجار تكاد تلامسها, وعلى جانبي الباب بيتان من الحجر، كانا مسكني الفيلين الملكيين: «الفيل الأبيض, وهو مركب الحفلات, والمواكب، والفيل الأسمر وهو المركب العادي», وكان الفيل العادي يومئذ, العربة الملكية أو السيارة الخاصة إذ كان الفيل الأبيض هو مركب الحفلات والمواكب الرسمية, والفيل الأسمر هو المركب العادي.
وكان الفيل ذلك الوقت, هو المركب للعائلة, أو السيارة الخاصة في أيامنا وهذه الساحة تفضي إلى حدائق، فيها من عجائب الزهر والشجر، ما لا يُوصف.
وقال: ومشينا بداخله حتى انتهينا إلى قاعة العرش [والكلام للشيخ الطنطاوي], ومنازلها غاية في الأناقة, ودقة النقش, وهي مشيدة على أسلوب من العمارة فريد, لها جدران سامقة, وسقف عالٍ مغطى بالنقوش والصور, وفي وسطها سدة مكشوفة الجوانب الأربعة, لها أدراج من كل جانب من الرخام الذي يزري بالمرايا, وأعمدة دقيقة... وهي من خشب الساج وهو أنيق وهرمي.
وفوق ذلك هرمي, قائم بشكل الهرم المقلوب, وكان الفيل يومئذ العربة المفضلة الملوكية أو السيارة الخاصة.
يقول الشيخ علي: والمنازل من دور واحد, بأعمدة من خشب، ويهتمون بالنقوش، فيها حدائق من عجائب الدهر, ومكان الفيل هو سدة الملك, وعلى جانب من غاية الملك, ودقة النقش.
يقول الشيخ الطنطاوي: وقد دخلناها! وقال عنها وعن أعمدتها: إنها في غاية الأناقة، وأعمدتها التي رفعت السقف, وفي محطتها - أي - القاعة، أو الفسيح من المدخل إلى سدة الملك: متسع مكشوف, ولها أربعة أعمدة من الساج.
والفيل من دخل هذا البهو لأنه مكشوف, وسقفه عال.
ومنازلها غاية في الأناقة, وهي مشيدة على أسلوب من العمارة، وكان الفيل في العادة, عندما كان قبل السيارات, لمكانه سدة مكشوفة, من شجر الساج، يأتي بموكبه, تُسمى «سدة الملك» التي طالما شهدت مراسم واحتفالات, منها هذا المدخل الذي قيل عنه: لزيارة الملك؟ ولا ندري من هو الملك: قال: وكان في البرنامج زيارة الملك, ولا ندري من هو الملك؟ حيث تحدث عن زيارة الملك - قال: في البرنامج موعد لزيارة الملك, وكان المصادف لذلك أنه يوم عطلة, ولكن السلطان تفضل، فنزل إلى مكتبه - في العطلة - ثم أخذنا المرُافِق؛ في ساعة الموعد, وكان المكان خالياً إلا من المرافقين الذين في المرافقة, [لم يوضح عن اسم من كانوا في رفقته] إلا أنه انتقل بعد أن تغير برنامج الزيارة, للجمعية المحمدية، وقال: إنها المشهد الثالث: فيهُمُ التعريف بها فهي جمعية, وعُرفت عندهم: بأنها هي مدرسة المعلمين, بل حيّ كامل في إحدى الدول وقال عندها: ولهذا قصة.
أشاد فيها إجمالاً بدور الحضارم, الذين قال فيهم: قدوة للمعلمين في سومرة بدأت عام 1926م, لنشر العلوم العربية وباللغة العربية في الجمعية المحمدية هذه، التي قالوا عنها: إن للحضارم فيها فضلاً كبيراً, على إندونيسيا كلها، وعلى هذه المدارس المنتشرة في إندونيسيا كلها؛ لما لهم من فضل كبير في انتشار المدارس العربية في المدن الكبيرة من إندونيسيا بجرها الكثير, للمدن الكبيرة والصغيرة. التي لم تنتشر إلا بعد وقتٍ طويل؛ إذ بدأت من الجمعية المحمدية, التي حدَّثنا عنها واحد منهم، وهي نموذج لما قام به الحضارم في إندونيسيا, حيث انصهروا في شعبها, ووحَّد بينهم الإسلام, والتي بدؤوها بمدرسة المعلمين: فهي حي كامل من المدرسين الذين كان لهم دور كبير في الدعوة إلى الإسلام والجمعيات الإسلامية, وهم الحضارم الذين كان لهم دور كبير, في نشر التعليم والجمعيات الخيرية في إندونيسيا، كلهم ساهموا بالتجارة والبيع والشراء والتعليم، وهذا في إندونيسيا وفي جزرها الكثيرة وما حولهم في جنوب القارة وشرقها.
وانصهروا في جنوب آسيا وغربها, فقد أدّوا الدور بصمت, وهو دور تعجز عنه الأمم, والمعاهدات، بل لهم دور لا يعرفه إلا من عاش في المنطقة, وانصهر بمدة طويلة, فيرى أنه كل وقت يتبين له دورهم في نشر اللغة العربية, والمساعدة للأهالي المحتاجين, كل بما يقدر عليه, وفي مقدمة ذلك نشر اللغة وتصحيح الدين.
وذلك بعدما عجزت فيه جماعات الدين, وتزعموا الدور الأول في المنافسة والجهود المبذولة، وقد أحسنت المملكة العربية السعودية, في الدور الذي تكفّلت به لإعانتهم في التعليم وفتح المدارس عندهم, وإرسال البعثات الدراسية ومدّ اليد إليهم ليس بالمال فحسب، ولكن بالعلم والتعليم أيضاً, وهم جيرانهم، يشيدون بدور المملكة بعدما بدأت تتكاثر عندهم المدارس الدراسية, والمحاضرات، حتى إن أفراداً منهم, يشيدون بالوسائل الإعلامية وهذا كما قال الشاعر:
«لا يذهب العُرفُ بين الله والناس»