د. حسن بن فهد الهويمل
وفي ظل الرَّجْمِ بالغيب حول كل الظواهر، والممارسات التي أَرْدَت الأمة مع الرديء؟؟ فإننا لسنا بحاجة إلى لعن [داعش]، أو ذكر فحشها، ووحشيتها، وتشويهها لسمعة المسلمين عالميا، لأنها تزهو، كما الشيطان.
كما لا نريد أن نعدد خروقاتها: الدينية، والإنسانية، لأنها من الوضوح، بحيث لا تحتاج إلى مزيد :-
ولَيْسَ يَنْفَعُ فِي الَأذْهَانِ شَيْءٌ
إذا احْتاج النَّهارُ إلى دَلِيلِ
وحين لا نشغل أنفسنا بشيء من ذلك، فإن علينا حشد كل إمكانياتنا، للتعرف على الآلية، والمنهج، وأسلوب التغرير، والاحتواء، والزج في الفتن، الذي تمارسه تلك المنظمات الإرهابية، للحيلولة دون المزيد من استدراج المراهقين، والأحداث من أبنائنا الجهلة.
لقد ساءنا ما شاهدناه من صور لِشَبابٍ أحداث، غَرَّرَ بِهم دعاة السوء، وزجوا بهم في حَمْأة الفتن.
إن من الخطأ الفادح أن يربط المتابعُ بين تلك الظاهرة الغرائبية، وأيِّ منهج، أو مذهب قائم، مهما كان تطرفه.
فحين حدثت جريمة [القديح] انبرى من يحيل إلى المتداول من الخلافات المذهبية، كـ [السنة ] و[ السلفية] و[الشيعية] و[الليبرالية] وما يمارسه متشددو هذه المذاهب من قول عنيف، وتهييج، وإقصاء، واستعداء.
نعم نحن لا نُرَحِّبُ بهذا الشقاق، ولا نود استفحال التنازع في مشاهدنا، ولكنه في النهاية اجترار لما في كتب من سلف من علماء المذاهب. وهو جدل لا يرمي إلى التناوش بالسلاح، ثم هو جدل مقصور على المحافل العلمية. فهو في معزل عن العامة، ولا يراد به تهييج العواطف، ولا استعداء العامة على الخاصة. إنه مجرد اجتهادات علمية لها، وعليها.
والتكفير حين يَبْدُر من كل الأطراف، فإنه - مع خطئه - لا يقتضي إشهار السلاح. فالتعايش السلمي بين الديانات، والمذاهب، والطوائف مطلب إسلامي، وإن احتدم الجدل القولي، فحساب من خالف على الله. والواجب تبليغ ما أوحي، لا مافُهِم من الوحي.
الذين صُدِموا بالحدث، ربطوه بما يُتَداول في المواقع من فتاوى، وأحكام، ومواعظ. وهذا خطأ فادح، لأنه تبرئة لهذه الفئة المتوحشة، ولمن وراءها، واستعداء للراي العام على علماء اسْتُدِرجُوا، واسْتُفِزُّوا بما تقوله الأطراف الأخرى، المعلن عداؤها، واعتداؤها.
فالعقلاء من [الشيعة] يُحَمِّلون المُعَمَّمين، الذين يجاهرون باللعن، والطعن، والتكفير مسؤوليةَ تَشَدُّدِ الطرف الآخر.
والعقلاء من [السنة] لا يودون تصعيد الخلاف المذهبي، ولا المجاراة بالخلق الدنيء. وهم قد تعايشوا مع من خالفهم في الأصول والفروع منذ ثلاثة عشر قرناً، أو تزيد. يختلفون، ولكنهم لا يحتربون.
اللعبة القذرة وظَّفتْ طائفة من المُعمَّمين، لتكفير الصحابة، وتخوين أمهات المؤمنين، وتكفير من لا يؤمن بـ [المتسردب] وبـ [ولاية الفقية]، لتهييج [السنة] على [الشيعة] المسالمين، وإدخال البلاد في الفوضى الهدامة، وعلينا وقد تَعَّرت اللعبة ألا نجاري في هذا السفه، لنفوت الفرصة على أعدائنا.
الحدث الإجرامي، ليس طائفياً، حتى وإن مورس أخيراً في مساجد شيعية. إنه عمل إرهابي، استهدف المملكة في ستين عملية إرهابية. وقتل أكثر من مئتي بريء، وامتد لأكثر من عقدين من الزمن، وتعاقبت على فعله [القاعدة ] و [داعش ].
أما العمليات الأخيرة فقد بدأت بقتل جندي سِنِّيِّ، وإحراق جثمانه، وثَنَّت [بجامع القديح]، وثلثت بـ [جامع العنود ] وقد تُرَبِّع، وتُخَمِّس، وتُسَدِّس.
فالرأس المدبر أراد أن يضرب الشعب السعودي بعضه ببعض، لأن مثل هذا الفعل، لم يصل إليه المتآمر على أمننا، ووحدتنا إلا بعد محاولات جادَّة، وتخطيط دقيق. والأعداء الحاقدون لا يريدون أن يكون في مسجد سني، لأنه لا يحقق الأهداف، ولا يزيد في الاحتقان.
مَنْ وراء [داعش] يريدون تفجير الطائفية، لأنها رهانهم الخاسر، لتقوم مقامهم في تدمير الأمن في معقل الإسلام، ومأرز الإيمان، وموطن المقدسات.
لهذا مارسوا ثلاث عمليات، في ثلاثة بيوت من بيوت العبادة، وكلها قوبلت باستنكار شديد من السنة، والشيعة على حد سواء.
حسابات [داعش]، ومَنْ وراءها دقيقة، وماكرة، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}، ويجب ألا يُلَبَّس علينا أمرنا، بحيث يكون بأسنا بيننا شديداً.
وعلى [الطائفة الشيعية] في المملكة أن تستوعب المؤامرة، وأن تعرف أهدافها، وأن تقطع دابر الفتنة بالتخلي عن هاجس الطائفية. فالفوضى ليست في صالح الجميع، فضلاً عن الأقليات. وعلى السنة ألا يستدرجهم المعممون بمجاهرتهم التي لا تقبلها شيعة المملكة.
اللاعبون في المنطقة العربية، لا تعنيهم الطائفية، إلا بقدر ما تقدمه لهم من تدمير بالإنابة.
حتى [إيران ] اللاعب الأكبر، لا تبالي حين يقتل الشيعيُّ العربي، الشيعيَّ من جنسه. ذلك أن المحرك الحقيقي [لإيران] هو الجنس الفارسي المجوسي وحسب.
أنا لست مع الكتاب المهيجين للمشاعر، ولا الجريئين في الاتهام، والتصنيف.
الحدث جلل، ونحن أمام احتقانات، وآلام، واستعداء، لرد الفعل.
فواجب الكُتَّاب التهدئة، واستبعاد أن يكون الفعل المنكر طائفي، جهز له عالم، أو مفكر.
ولا أحسب أن شيعة المملكة يرضون أن يكونوا كشيعة العراق تؤزهم باطنية المجوس وروافضها، كي تدعم استبدادهم بالسلطة، ليظلوا بحاجة اليها، لأن الطائفية لن تحكم بدون دعم خارجي.
الجريمة لعبة قذرة، أراد أعداء المملكة أن يثيروا بها الاختلاف الطائفي، وأن يعمقوا العداوة بين [السنة]، و [الشيعة] بوصفهما من مكونات الشعب السعودي. وأي كاتب يلعب على هذه المكونات، يشكل عبئا على الوفاق واللحمة الوطنية.
الطائفة الشيعية مكون وطني، لا يجور المساس بها، ولا مصادرة حقها في العيش الكريم.
والسنة يختلفون مع التشيع، منذ [ ابن سبأ ] ولكنه اختلاف محكوم ومسيطر عليه، حتى قامت [دولة البويهيين ]، وشطحت بالتشيع، وأقامت الحكم الطائفي.
ومن الثوابت أن [السنة ]، و [الشيعة] لن يتخلى أحد منهم عن معتقده. وليس من حق الطرفين المساس بالحق المكفول لأي مواطن، ما لم يقاتل على الطائفية. وعلى كل طرف أن يعرف حقه المكفول له، بحيث لا يزايد عليه، ولا على حق الآخرين. هَمُّ المفسدين قيام دولة طائفية على غرار [البويهيين ] و[الفاطميين ] و[الصفويين ].
الزمن قد يحتمل الاختلاف المذهبي، المحكوم بضوابطه. الاختلاف المدار بحكمة، وروية، وبعد نظر. إذ كل طرف يعرف ما هو عليه. ومن ثم لا يزايد على ثوابته، وليس من مقتضيات المواطنة تسلط أحد الطرفين على الآخر.
وحين لا أزايد على ما أعتقد، فإن غيري لا يزايد كذلك. والدولة العادلة ومؤسساتها الحكومية، وبالذات الأمنية منها مسؤولة عن توفير حق المواطنة لكل شرائح المجتمع، ومنع أي خطاب يؤدي إلى الإثارة، وتعميق الخلاف، من كل الأطراف.
نحن نعرف محققات سلفيتنا، ولا نريد المزايدة على شيء من ذلك، وكل الطوائف تنطوي على خلاف بين علمائها في الأصول، والفروع، ثم لا تجد غضاضة من التنوع، والتعايش.
وواجب العلماء تحييد الرأي العام، والإبقاء على مُصَالحته، وتعاذره، وتعايشه. وقصر الخلاف داخل أروقة الجامعات، والمؤسسات العلمية، وممارسة الدعوة بالتي هي أحسن، لكيلا يجد العدو ثنية ينفذ من خلالها للوقيعة.
إن تجربة فرض الطائفية، وتعميمها تجربة تاريخية فاشلة. جاء [البويهيون ] وانحسروا، وزامنهم [ الفاطميون ] وانحسروا. وجاء من بعدهم [ الصفويون ] وانحسروا، وإن أصر [الإيرانيون] ومن شايعهم من شيعة العرب على إعادة الدولة الطائفية وسط الأغلبية السنية فسوف ينحسرون.
وبصفتي سلفياً، وسطياً، لا أريد أن يُحمَّل أهل [السُّنَّةِ] كل الجرائر. إن على المناكفين أن يصيخوا إلى قول الآخر، وإلى فعل الآخر، وإلى تدبير الآخر، الذي ضيق الخناق، وأدار حبل الطائفية حول الأعناق.
[إيران] وحدها التي تحلم بالتوسع، وتأسيس الدولة الطائفية، ومن ثم تستدرج الشيعة العرب. والوضع في [العراق] و[الشام] و[اليمن] خير شاهد.
لقد عاش [السنة]، و[الشعية] في المملكة إخوة متصالحين، متعايشين، متجاورين، متزاملين ومتزامنين، حتى لَوَّح المجوس بالطائفية، وزينوا لشيعة العرب تلقي الراية، وتحويل السنة إلى أقلية محكومة. علما أن المجوس لا يوالون إلا فارسيتهم. ومناصرتهم للشيعة العرب مرحلة انتقالية، والتجارب، والوثائق تقطع قول كل مغفل مغرّرٍ به.
المجوسية الفارسية، هي وحدها التي تحلم بالهيمنة. وصراع [الشيعة]، و[السنة] العرب خطوة أولى، ومرحلة انتقالية، وما دُمِّر [العراق] و[الشام] و[اليمن] إلا بهذا الهاجس.
[داعش] و[القاعدة] و[الحوثيون] و[حزب الله] أذناب أفاعي، والشاعر الحكيم يقول:-
[لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأفْعَى وتَتْركَها
إن كُنْتَ شَهْما فَأَتْبِع رَأسَها الذَّنَبا]
المجوس هم رأس الأفعى، إن كنتم تعقلون. وهم بجنون العظمة الفارغ يعيدون التاريخ بما يصنعون، لقد سبق [البويهيون] و[الفاطميون]، وشكلوا هلالاً شيعياً، ثم أصبحوا حدثاً بعد عين.
و [إيران] الآيات، والمعممون الفارغون من كل وعي بالحاضر، يحلمون بإعادة الحكومة الطائفية.
وهل عاقل يجهل [القرامطة] و[الحشاشين] و[الخوارج] وسائر التنظيمات السرية في التاريخ السياسي العربي؟.
دعونا نعي التاريخ، لنكتشف الحاضر بكل ما هو عليه.