فيصل خالد الخديدي
مع كل صيف تنشط الدول في استقطاب السياح والمصطافين بعروض مختلفة وبرامج متنوعة بين سياحية وترفيهية، والتسابق أصبح على أشده في تطوير أدوات السياحة وبرامجها، وامتدت السياحة لجوانب إنسانية متنوعة وظهرت السياحة الثقافية حيث (صدر أول اعتراف رسمي بالسياحة الثقافية «عام 1963 عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة, لدعم مفهوم الصداقة والتفاهم بين الشعوب»، وفي العام 1966 أعلنت منظمة اليونسكو «أن السياحة الثقافية تساهم في تدعيم مسيرة السلام») وتأتي السياحة الثقافية داعمة للجوانب الإنسانية والتقارب بين الشعوب وكاشفة عن عمق الحضارات، وتقدم ثقافة الأمم في إطارها الحقيقي وعاداتهم وتقاليدهم ونمط عيشهم وفنونهم في إظهار لخصوصيتها وتميزها بفنونها وثقافتها، وكلما قُدمت السياحة الثقافية في إطار منظم - باستحداث مناسبات فعلية، وأحياء لخصوصيات ثقافية في بيئتها الصحيحة, وبتنويع في وسائط العرض من عروض مسرحية ومعارض فنية ومتاحف وغيرها - كلما كانت أكثر نجاحاً وجذباً.
وتأتي السياحة التشكيلية إحدى ثمرات وأوجه السياحة الثقافية والتي نشطت كثيراً في العديد من الدول وذلك باستحداث فعاليات تشكيلية مميزة مثل البيناليات الدولية والسمبوزيومات المتخصصة وتنظيم رحلات فنية لها وقبل ذلك كله تأسيس البنية التحتية الأساسية للفنون من متاحف متخصصة ودور عرض بعروض متجددة، وبالرغم من جودة وجدية كثير من الفعاليات التشكيلية التي تنشط في موسم الصيف إلا أن هناك العديد من العروض الربحية والتي أبعد ما تكون عن السياحة الحقيقية أو القيم الثقافية الواعية ولا الفعل التشكيلي الجاد والتي ينغر بها كثير من مبتدئي التشكيل المحلي وينخرطون فيها ولو بأعلى التكاليف وبأضعف المستويات الفنية والخدمات السياحية، وفي ختام كل مشاركة منها تظهر مخرجاتهم لا تمثّل مستوى التشكيل السعودي الحقيقي، بل تعزز الصورة النمطية للضعف الثقافي لابن الصحراء، وهو ما يحتاج وقفة صادقة وتنظيمية من وزارة الثقافة والإعلام لمثل هذه المشاركات حتى وإن كانت شخصية فلا تقدم باسم التشكيل السعودي.
صناعة السياحة التشكيلية المحلية تحتاج الكثير من العمل التكاملي بين الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الثقافة والإعلام والقطاع الخاص فالجهود الحالية بدأت ببعض البرامج ولكن الاحتياج أكبر لتأسيس البنى التحتية لمتاحف دائمة ومعارض متنوعة بمخرجات تشكيلية محلية وعالمية تكون جاذبة وفعاليات موسمية منافسة، ليس على المستوى الخليجي ولا العربي، بل العالمي، فكل المقومات موجودة، ولعل التجارب الخليجية المجاورة في صناعة سياحة تشكيلية نجحت، وقدمت منجزاً تشكيلياً منافساً على المستوى العالمي، وصنعت سياحة تشكيلية حقيقية تشد الرحال لفعالياتها وحتى لو كانت خارج مواسم الإجازات، هناك جهود محلية تبذل منها مسابقة التراث العمراني وبعض التجارب الفردية كشارع الرسامين بجدة (مع بعض التحفظ عليه بصيغته الحالية), وباص الفن والرحلات التشكيلية لفناني القطيف وغيرها من الجهود الفردية الأخرى, إلا أن التطلع أكبر من ذلك كله بكثير بفعل منهجي مدروس لصناعة سياحة تشكيلية منافسة.