د. محمد البشر
سيحل شهر رمضان الكريم قريباً، متمنين من العلي القدير أن يرفُل الجميع بالصحة والعافية والأمن والأمان، وأن يحل والأمة الإسلامية تعيش في سلام دائم، يحقق آمالها وآمال شعوبها في العيش الكريم.
بعد أيام سيحل هذا الشهر الكريم، وواقع الحال في عالمنا العربي لا يسُر، فالاقتتال ما زال قائماً في عدد من الدول العربية، اقتتالٌ ليس وليد الساعة، وإنما هو مستمرٌ منذ بضع سنوات، فأصبحت المآسي تعد بالسنوات وليس بالأيام أو بالأشهر. والحقيقة أن هذه المآسي تجاوزت الحد وفاقت الوصف، ورمت بثقلها على جميع مناحي الحياة، السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، آلامٌ للكبار والصغار والعجزة، حزنٌ دائمٌ، وأمل يكاد أن يكون مفقوداً، وقد ضل الجميع الطريق فلا يعلمون لماذا، أو كيف، وعلاما يستمر هذا الخلاف وليس الاختلاف.
الوضع تجاوز الحد، فالمهجرون بالملايين، والقتلى بمئات الألوف، والأيتام بمئات الألوف، والثكالى بمئات الألوف، وهو أمرٌ ربما لم تشهده المنطقة منذ مئات السنين.
أمرٌ عجيبٌ غريبٌ، بدأ بشيء سموه الربيع العربي، وإن شئنا قلنا الخريف العربي، فهو ليس بربيع وإنما هو خريفٌ، تساقطت فيه الأوراق، وذهب بهاء الطبيعة وجمالها، أخذت تلبس لباساً غير لباسها، فياله من خريف قاس، جرّ معه الكثير من المآسي، هو خريف القتل والدمار والبُعد عن التعقل، والثبات على الحق، وهو خريف زرعت فيه بذرة ربما تثمر عن أحقاد دفينة، تبقى في القلوب فترة غير يسيرة، حتى وإن صلح الحال فيما بعد، صلاحاً مشوباً بالحذر، إلا أن نتاج هذه البذرة السيئة سيكون فاكهةً فاسدةً، لها طعمٌ غير لذيذ، ورائحةٌ كريهةٌ، فهذه البذرة، بذرة الحقد، وبذرة التناحر، وبذرة الانتقام، التي لابد أنها تسبب آلاماً في المستقبل، كفانا الله وإياكم شر المآسي والآلام.
شهر رمضان الكريم الذي سيحل قريباً، سنرى فيه «نصرة»، و»داعش»، و»قاعدة»، و»حشد»، وغيرها من المسميات التي لا طائل من ذكرها، هؤلاء كلهم سنراهم صوَّاماً قواماً، يقرؤون القرآن، ويحاربون بعضهم بعضاً، وكلهم يدعي الإسلام، والذود عنه، وكلهم يقول إنه يصوم لوجه الله، ويصلي لوجه الله، ويقرأ القرآن طالباً رضا الله، ولكن ما يقرؤه، وما يعمله من صلاة وصيام، لا يراه رادعاً له عن قتل أخيه الصائم، والقائم، والقارئ مثله، إنه أمرٌ عجيبٌ وضلالٌ مبينٌ، فإذا غاب العقل والحلم والأناة، غاب معه كل شيء جميل في الوجود.
لا يمكننا أن ننسى النفس البشرية، والأطماع الشخصية، فهذه جبلةٌ في الإنسان، لا يمكن أن يتجاوزها إلا ما شاء الله، ونحن ننسى ونتناسى ما في القرآن العظيم، ونحن على أبواب شهره الكريم، من حثّ على محبة الأخ لأخيه، والإيثار {..وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، فلم يعد الإيثار في هذا الوقت مطلباً، ولكن الناس فقط تبحث عن سلام بأقل التكاليف، وأقل الأحزان، وأقل الآمال، ليعيشوا فقط عيشة الكفاف دون عذاب الدمار والقتل والحرمان.
البلاد العربية التي تقع فيها الأحداث الحالية، هي بلاد أنعم الله عليها بطبيعة معطاءة، وثروة دفاقة، ورجال أفذاذ، يستطيعون أن يقوموا ببناء أوطانهم على أكمل وجه، وأيسر أمر، وأوضح طريق، لكن بعض الساسة الذين ابتليت بهم تلك الأوطان، وغير الساسة الذين صنعوا لهم مجاميع مقاتلة سموها بأسماء شتى، وهم في الواقع ساسة وإن قالوا غير ذلك، هم جميعاً لبسوا الدين عباءةً، والتقوى رداءً، وهم أبعد الخلق عن ذلك، فأعجب العجب أن يقتل تقيٌ - كما يزعم - تقياً آخر، وأعجب العجب أن يكون حديثه وقوله وفعله باسم الدين، وباسم الحق، وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
هم لا يعدون أن يكونوا مجاميع، وقادة، وساسة، أرادوا المناصب، والمصالح، لنيل مرادهم على حساب شعوبهم، فلا يهمهم من مات، ولا من تهجر، ولا من فقد أباه وأمه، ولا يهمهم شيء غير البقاء على الكرسي، أو نيل السلطة، بأي وسيلة كانت وإن كانت الوسيلة المثلى لديهم هي وسيلة الدين، والدين منهم براء، أو أن يتمسك حاكم بكرسيه إلى الأبد، دون النظر إلى رغبة الشعب الذي عاش في كنفه سنين، كما هو الحال في سوريا، عاش عيشة الألم والحزن والحرمان، ومع هذا فهو لا يرى في ذلك شيئاً يدمي القلب، أو يحزن النفس، لأن الشأو الأوحد هو البقاء على الكرسي، مستخدماً في ذلك المذهبية، والعرقية المشينة.
هذا هو الحال، والأمل أن يكون شهر رمضان المبارك شهر أمل تتبدد فيه المتاعب، وتزهو الأرض بزينتها، وأهلها في سلام ووئام، كما كانت الحال منذ مئات السنين.