أحمد بن عبدالرحمن الجبير
هناك قرارات متسرعة، وهناك رؤية قصيرة وغير استراتيجية، والتركيز على كيفية محاصرة العامل الوافد، دون أن يكون ذلك ضمن رؤية شمولية حول التخطيط الاقتصادي، وقراءة دقيقة لاحتياجات سوق العمل، ولا يمكن التضييق على العمالة من جانب دون النظر إلى رغبتنا في تطوير المشروعات الصغيرة، وفي تطوير الإمكانات الاقتصادية للمواطنين، وتشجيعهم على العمل الاستثماري مع تطور تنموي، وتسهيلات إيجابية للسعوديين كفيل بإعادة التوازن لسوق العمل.
الملفت أننا نتحدث بإيجابية ونتعامل بسلبية، هناك حديث عن التنظيم، وعن وحدة المرجعيات وشركات الاستقدام والضوابط، لكن الواقع مختلف تماما، فهناك استغلال لحاجات الأسر وللمنشآت التجارية وشركات المقاولات الوطنية، وأصبح الأجنبي خبيراً بمشكلاتنا قبل المواطن وكلنا يعرف أن ارتفاع الأسعار يضرب سوق العمال قبل رمضان، وقبل افتتاح السنة الدراسية ومع ذلك المشكلة موجودة ودائمة، والكلف في ارتفاع دائم وحاد.
ما زلنا نستبشر خيراً بالعهد الجديد عهد الحزم والعزم عهد المجلس الاقتصادي الجديد برئاسة سمو الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وسرعة اتخاذ الإجراءات، أطرح سؤالاً مباشراً على معالي وزير العمل الجديد، هل تسمح الشروط للمواطن السعودي الاستثمار في منشأة اقتصادية صغيرة بموجبها يحصل على جميع الرخص اللازمة، لكنه للأسف الشديد مضطر أن يمضي ستة أشهر إلى سنة كي يرتفع نطاق المنشأة للنطاق الأخضر، وهل ينتظر المستأجر مثلاً ستة أشهر لارتفاع نطاقات؟ وبعدها يحصل على عدد من العمال لا يفي احتياجاته؟
قرارات وزارة العمل السابقة والرسوم التي أقرت مؤخراً على العمالة زادت من التكاليف التشغيلية ويعتبر ذلك من الأسباب الرئيسة التي أجبرت العديد من أصحاب المنشآت إلى الاستعانة بالعمالة غير النظامية، والأمر الآخر أن الحصول على التأشيرات يحتاج إلى ستة أشهر وللحصول على العمالة من بلادهم يحتاج إلى نفس المدة، وهنا نتكلم عن سنة يضطر المواطن السعودي أن يدفع الإيجار، والتأمينات، والماء والكهرباء مجاناً دون عائد.
يا معالي الوزير معظم المهن في جميع القطاعات تعتمد على الأيدي العاملة الفنية، وهذا ما يفتقده سوق العمل المحلي من الكفاءات الفنية، مما شجع البعض على الاستعانة بالعمالة المخالفة، وأصبح مجال التستر على العمالة المخالفة منتشر في كل مكان، ويكلف ضعف العمالة النظامية، وجعل الكثير من المنشآت تمر بمرحلة صعبة وخسائر كبيرة بسب صعوبة الحصول على تأشيرات الاستقدام.
لقد انسحبت منشآت كثيرة ناجحة من السوق السعودي إلى أسواق مجاورة، لكن بعضها لا يمكن نقله، والأمر مطروح على طاولة معالي الوزير الجديد ومعاونيه، وأعتقد جازماً أن لديهم من الرؤية الصائبة الكثير، وأنهم يتطلعون دائماً بأن يكون المواطن السعودي جوهر التنمية، وهو المستفيد الأول، وأنهم يسعون دائما إلى تسهيل الإجراءات لتكون في صالح الوطن والمواطن السعودي.
لننظر للأمر من منظار وطني وإنساني، يا معالي الوزير فهل المواطن المحدود الدخل والإمكانات يستطيع تحمل هذه البيروقراطية للاستثمار الصغير؟ وهل نحن بحاجة لفقراء جدد وديون جديدة؟ وما الحكمة في هذه الإجراءات الصعبة؟ ألا يستحق مواطنونا الاحترام، ولماذا لا تكون المدة أقل والإجراءات سريعة؟ وطالما أن هذه المنشأة حصلت فعلاً على الموافقة الفنية وتم تحديد عدد التأشيرات التي تستحقها، وتم دفع الرسوم الإدارية المطلوبة، فما الغاية من التأخير يا معالي الوزير؟!..
لذا على وزارة العمل التخطيط المسبق لسد حاجة السوق من العمالة، وإنهاء المعاملات المكدسة في أروقة الوزارة، والبت فيها بسرعة، وهل يعجبكم يا معالي الوزير تكدس المواطنين أمام مكتب العمل يوميا ومن الفجر؟! كل ما نرجوه يا معالي الوزير أن ينظر لهذه الفئات ذات الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة نظرة استراتيجية بعيدة، وذلك ليستشعر المواطن السعودي قيمة العمل في القطاع الخاص، ويقتنع بأن العمل الخاص أكثر جدوى من البحث عن وظيفة حكومية، وبدلاً من البطالة التي سيكون لها آثار سلبية على أمن المواطن والوطن.