يوسف المحيميد
لا توجد دولة على هذا الكوكب لا تعاني من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتختلف حدة هذه الأزمات من دولة إلى أخرى، بل وتختلف حتى في دولة واحدة بين زمن وآخر، وليس عيباً أن نعاني نحن في حقول التعليم والصحة والإسكان، ليس عيباً أن ندرك أن ثمة خللاً واضحاً وكبيراً في مخرجات التعليم لدينا، وليس عيباً أن نعرف أن عدداً من المرضى لا يتوفر لهم السرير، ولا غرفة العناية المركزة عند الحاجة، وليس عيباً أن نرى من تجاوز الأربعين عاماً دون أن يمتلك شبراً واحداً على وطنه!
لكن العيب أن نعرف ونصمت، أن نعرف ونتجاهل، أن نعرف ولا نتحرك لمعالجة أخطائنا، ألا نشخّص أزماتنا ونسعى في حلّها، أو تخفيفها، ورغم ذلك فإن كل الأزمات والمشاكل والخلل في التعليم والصحة والإسكان لا يساوي شيئاً أمام البطالة، فأن لا يملك المواطن منزلاً، ولا يجد تعليماً جيداً، ولا عناية صحية مناسبة، أهون بكثير من ألا يجد عملاً، خاصة حينما يحمل مؤهلاً علمياً عالياً، فنحن هنا لا نخطئ تجاهه، بل نرتكب جناية بحقه، وبحق مواطنته.
في التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، يكشف أن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، وهم الذين تقدموا إلى (جدارة 3) بحثاً عن وظيفة، والمؤلم أن نسبة 75% من هؤلاء هن من النساء، بمعنى أن المرأة لم تزل تعاني من معدل بطالة مرتفع، والأمر الأكثر مرارة أن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، و8.474 من حملة الماجستير، و575.245 من حملة البكالوريوس، فهل وصلنا إلى مرحلة ألا يعثر طالب دكتوراه، أو ماجستير على وظيفة حكومية؟ ولماذا كل هذه الأعداد الضخمة تبحث عن الوظيفة الحكومية؟ أين هو القطاع الخاص الذي استنزف ثروات هذه البلاد من هؤلاء؟ لماذا لا يستفيد منهم ومن علمهم، مقابل مئات الآلاف من التأشيرات التي تستقطب الوافدين من مختلف أنحاء العالم؟
ومما يلفت الانتباه في تقرير الخدمة المدنية أن أكثر من مائتين وسبعين ألف من المتقدّمين للوظائف الحكومية هم من خريجي العلوم الاجتماعية والعلوم الإدارية والعلوم الشرعية، إلى درجة أن خريجي العلوم الشرعية وحدهم أكثر من مائة وخمسة آلاف خريج، فما جدوى هذه التخصصات؟ وأين يذهب هؤلاء الذين لا يستفيد منهم سوق العمل؟ لماذا لا تتم دراسة احتياجات السوق بدقة، ويتم التغيير في مخرجات التعليم الجامعي؟
نحن، ومع هذه التطورات والنقلات السريعة في ترتيب أوضاعنا الداخلية، بحاجة حقيقية إلى معالجة البطالة، وخفض معدلها، خاصة بالنسبة للنساء، فمن لا يجد عملاً، ويعاني الفقر والفراغ، هو بلا شك عنصر مؤجل لأزمة اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولا يكفي معالجة الحالات الفردية، التي تثار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بل يجب العمل الجاد والمخلص للقضاء على البطالة، أو خفض معدلاتها إلى أقل معدلات ممكنة، والتقدم في سلم الترتيب العالمي لهذا المعدل.