د. محمد عبدالله الخازم
أكثر من ربع قرن منذ رفض مجلس جامعة أم القرى إقرار رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث سعيد السريحي، لم نسمع فيها صوت الاحتجاج القوي على ذلك الفعل، كما حدث مؤخرًا. الباحث السريحي يتهم مجلس الجامعة بسحب الرسالة التي استوفت المعايير الأكاديمية المتعارف عليها في منح الدرجات العلمية العليا، ويكرر بأنه ليس له مطالب قانونية فيها وإنما دوره مجرد إيضاح الحقائق!
الحقيقة أنها ليست المرة التي تثار فيها القضية؛ فلماذا لم يتفاعل صاحب القضية - السريحي- في المرات السابقة، ومثله بعض الكتاب - بالذات أساتذة الجامعات- الذين تفاعلوا وكتبوا عن القضية مؤخرًا؟
لست أكتب عن الدرجة العلمية، أو محاسبة الكتاب والأكاديميين على صمتهم كل هذه السنوات لكنني استدل بها كمثال لفعل الوظيفة العامة والمصالح المشتركة في الضغط على المثقف وإجباره على السكوت على بعض القضايا أو عدم الاهتمام بها أو تأجيلها، بما في ذلك قضايا تمسه بشكل مباشر.
صمت السريحي عندما كان موظفًا، أما وقد تقاعد فلم يعد هناك ما يخسره.
البعض يرى بأن مجاملة أو احترام أو خشية المسؤول جعلت المثقفين وبالذات الأكاديميون يصمتون وما زالوا عن هذه القضية وغيرها من القضايا الأكاديمية المشابهة. لست ألومهم، فالمثقف لدينا في النهاية موظف عام أو موظف له مصالحة الشخصية والأسرية والعملية عند المسؤول بالوظيفة العامة.
مع عدم إنكار العوامل الأخرى التي ساعدت على طرح القضية مرة أخرى مثل تراجع سطوة التيار المتشدد وتوفر الفضاء الأرحب للتعبير، بالذات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الفكر المتشدد والاقصائي نجح في فرض سطوته بدعم مباشر أو غير مباشر من السلطة الإدارية، حتى إننا لم نعد ندري هل كان الإداري- بما في ذلك قياديو التعليم العالي- يخشى سطوة الفكر المتشدد للدرجة التي تجعله يسايره في فرض رؤيته المتشددة أم أنه كان مستمتعًا بالاستعانة بالفكر المتشدد لفرض سلطته الإدارية؟ ما كان للفكر الإقصائي أن يتغلغل في أروقة الجامعة فيلغى رسالة علمية بعد مناقشتها لولا تضامن الإداري معه.
لا تتسع المساحة هنا للشرح، وقد فصلت بعض آليات اختراق مؤسسات التعليم العالي من قبل الفكر المؤدلج في كتابي «اختراق البرج العاجي» الصادر عام 2011م. وكان لافتًا أن ذلك الكتاب بالرغم من منحه جائزة وزارة الثقافة والحديث عنه في بعض وسائل الإعلام، إلا أن الأكاديميين خشوا الاحتفاء به وتفنيد ما طرح من جهد قابل للنقاش والنقد، وكثير منهم يتعذر بالموقع الوظيفي كدليل على سطوة الوظيفة على حرية الرأي!
دافع هذه الكتابة هو استنكار الكاتب فهيد المعدوم الذي سأل؛ أين الرفاق؟ وفيه عاتب المثقفين على صمتهم لسنوات عن هذه القضية ونسي أن المثقف لدينا - بما فيهم كاتب المقال - هو في النهاية نصف مثقف ونصف موظف، نصف مثقف ونصف معقب على معاملاته وأسرته الشخصية والعملية؛ كما هو الإداري لدينا برغماتي؛ نصف صحوي ونصف ليبرالي، يخشى المتشدد حينًا ويستفيد منه حينًا آخر لفرض سطوته الإدارية!
نظريًا يقال إن المثقف الحقيقي لا يستسلم للتيار الجمعي، لكن الواقع يشير إلى استسلام المثقف السعودي للتيار الجمعي، خوفًا من تسلط الإداري وتضييقه عليه باعتباره السوط الذي استخدمه - وما زال- الفكر المتشدد لفرض رؤيته.
نعم يتضامن المتشدد المؤدلج مع الإداري التنفيذي على كتم صوت المثقف والتضييق عليه في أمور عديدة، إن هو حاول نقد المسكوت عنه.
أعود مقدرًا للكاتب سعيد السريحي، وادعوه بصفته أصبح متقاعدًا ويملك قدرة التأمل فيما مضى من تفاصيل الحياة الثقافية أن يكتب لنا عن هذا الجانب فنحن بحاجة إلى تحليل الأدوات التي استخدمت وقادت إلى النتائج الكارثية في تغييب النقد الحقيقي والاستسلام الجمعي لسطوة التيار..