سعد بن عبدالقادر القويعي
قد يفوق المحرض في خطورة فعله الفاعل للجريمة، باعتبار أن المحرض، هو الرأس المفكر، والعقل المدبر للجريمة. ولا أبالغ إن وصفت فعلته بـ « الشرارة الأولى التي تؤدي إلى خلق الجريمة «، لكونه يشكل مكنة الإنتاج التي تفرخ الإرهابيين نحو معاول التطرف، ونحر الجيل التائه، وطعن النسيج الوطني، وإثارة الاحتراب الداخلي، وبعبارة أخرى، فإن طبيعة المحرض، تتلخص في دوره المزدوج في تجسيد الفكر الإجرامي، فهو من أوجد الفكرة الجرمية لدى المتلقي، وحمله على مقارفة الجريمة.
المحرض على جرائم الإرهاب، هو من صنع الفتوى بنوعها؛ بهدف تشجيع ارتكاب الجريمة، واستباحة الدماء، والأموال، والأعراض، وهذا يستدعي - أيضاً - تجريم المحرض بنفس درجة تجريم المنفذ، بل يجب أن تطالهما يد الحرب على الإرهاب؛ لأن الجريمة لا تقف عند مرتكبها، وإنما تتعداه نحو الأدوات المحرضة على العنف، والتطرف، وإثارة النعرات، والانقسامات الداخلية، والتأكيد على آرائهم الشاذة. وهذا الوصف الذي بينته، هو الذي استنكره بيان هيئة كبار العلماء - الأخير - في المملكة، عما: « يصدر من فتاوى، أو آراء تسوِّغ هذا الإجرام، أو تشجع عليه؛ لكونه من أخطر الأمور وأشنعها، فلا يجوز - بحال من الأحوال - تسويغ جرائم الإرهاب تحت أي ذريعة.. ويعظم خطر تلك الفتاوى إذا كان المقصود بها زعزعة الأمن، وزرع الفتن، والقلاقل؛ لأن ذلك استهداف للأغرار من الشباب، ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى، والتدليس عليهم بحججها الواهية، والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة «.
إن الإرهاب ذو مسيرة طويلة، يبدأ من الفكر، والعقل، والسلوك المتطرف التي تعتبر أدوات للإرهاب المسلح؛ ولأنها قضية ذات سياسات عامة، ومراجعات ضرورية، فإن إيقاف مصادر التحريض، الذي يبدأ من التهييج العام، وينتهي بالمشاركة في ساحات القتال، وذلك من خلال التجنيد العملي، واللوجيستي، - وبالتالي - القدرة على صناعة بؤر تشكل بيئة خصبة لخلق الإرهاب، سيكون جزءا من خطط مكافحة الإرهاب، ومن ثم محاسبة كل من يتخذ من منبره، أو حسابه التواصلي الاجتماعي بوقا للتحريض. فنعمد إلى ملاحقتهم عبر ساحتهم الإيديولوجية - ذاتها -، وتسخير الوسائل المشروعة؛ من أجل استباق لحظة وقوع التحريض على الجريمة، ومنع توجيه النشاط الإجرامي بعد ذلك.
لمن يحسن قراءة التاريخ، فإن هؤلاء المحرضين، ومن لف لفهم، تعتبر أقلية معزولة مهما علا صوتها، - وعليه - فإن العمل على عدم تكوين حاضنة فكرية لتوجهات الإرهابيين في المجتمعات، ينطلق من مقاصد الشريعة في حفظ الأمة في دينها، وأمنها، ووحدتها، وسدا للذرائع المفضية لاستهداف المنهج الشرعي. وفي المقابل، فإن تلك الجريمة تستحق العقوبة الزاجرة الرادعة؛ عملا بنصوص الشريعة الإسلامية، ومقتضيات حفظ سلطانها؛ لأن هدفها الردع، وحماية النظام العام، والمجتمع.