د. عيد بن مسعود الجهني
ستبقى عاصفة الحزم إلى أمد طويل ميدانا للبحث والتحليل في الإطارين السياسي والعسكري والاستراتيجي والاقتصادي، هذا نابع من أهمية تلك العاصفة التي أعادت الأمل إلى اليمن وأهله، انتصرت للحق ضد الباطل وللعدل ضد الظلم والعدوان.
وإذا كانت الحرب أمرا مكروها للجميع، فإننا يجب أن نفرق بين الحرب العادلة وهي التي تكون بغرض نصرة المظلوم والدفاع الشرعي عن سلطة شرعية ودفاعا عن قضايا العدل والحق والسلام الدولي، وبين الحرب الظالمة العدوانية التي تقوم لغرض العدوانية والسلب والنهب وتدمير المقدرات الاقتصادية ودعم الإرهاب والقضايا الاقتصادية.
وعاصفة الحزم حرب عادلة فقوة التحالف العربي الذي قادته المملكة استجابة لنداء النجدة من الحكومة الشرعية وأهل اليمن، ضد عصابة الحوثيين وعلي صالح والتدخل الإيراني السافر في الشئون الداخلية لليمن.
المملكة بموقفها القوي هذا طبقت وتطبق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والجامعة العربية ومبادئ العلاقات وحسن الجوار مع اليمن وحكومته الشرعية، وإذا كانت عصابة الحوثيين الإرهابيين المدعومين بدولة الفرس ومعهم علي صالح، قد قاموا باعتداءاتهم السافرة على جازان ونجران على حدودنا مع اليمن التي يبلغ طولها أكثر من (1400) كيلومتر مستهدفين مدارس ومستشفيات ومبان، فإن تلك الاعتداءات ما هي إلا هروب من حالة الفوضى العارمة التي يعيشها الحوثيون في داخل اليمن بعد أن شتتت عاصفة الحزم كيانهم ودكت مواقعهم دكا عنيفا لتلقنهم درسا عسكريا لن ينسوه في مستقبلهم الأسود وضلاليتهم الحقود وإرهابهم الأسود، حقيقة ساطعة نخرج بها من تبعات اعتداءات العصابة المجرمة على نجران وجيزان ألا وهي (الوطنية) التي يتحلى بها كل مواطن في هذه الدول الكبرى المملكة العربية السعودية وفي نجران وجيزان وكل مناطق البلاد.
(الوطنية) في معناها العميق تتسع لمفاهيم عديدة، الجنسية بالمعنى القانوني هي علاقة بين الفرد والدولة، (والوطنية) لها متطلبات أكثر اتساعا وشمولا، إنها تقتضي أن تسود في العلاقات بين أفراد المجتمع الكبير، أي ما يسود بين أفراد المجتمع من صفات وسجايا كي يؤدوا واجباتهم نحو خالقهم ونحو أنفسهم وولاة الأمر ومجتمعهم.
وما رأيناه في جيزان ونجران أنموذجا فريدا للوطنية والتلاحم والتعاضد والتكاتف صفا واحدا كأسنان المشط، وكل مواطن من سكان نجران الذين يزيد عددهم على (500) ألف نسمة، وجازان الذين يبلغ عددهم أكثر من (1.5) مليون نسمة، رأينا أنهم يحملون حب وطنهم في سويداء قلوبهم، وهذا نابع من إيمانهم العميق لخالقهم ثم بوطنهم ومليكهم، إنهم يمثلون فكرة الولاء والوطن بأعمق الصور.
ديننا الحنيف يدعونا للمحافظة على وطننا ومقوماته الوطنية، الوطن العزيز منبت العزة والكرامة أرض القداسات، منطلق الدعوة لدين الله، حيث بزغت شمس الإسلام ليشرق على الدنيا كلها بالعطاء غير المحدود ليتسع لكل الناس بقلب مفتوح، وطن نعيش فيه ويعيش بيننا.
هذا ما رأيناها في جيزان ونجران وأهلهما الأكارم الطيبين، تصدوا بقوة لنزوات العصابات الإرهابية (بقوة) قوة الإيمان بالله أولا ثم الوطن والسلطة الحاكمة التي تقوم على حماية الوطن والثغور والحدود ضد أي معتدٍ تقطع يده وتحرمه من (زهوة) النصر، وهذا ما تجلى بأروع صوره في مدننا على الحدود ورجاله الأوفياء وجيشنا الباسل وأمننا الداخلي وحرسنا الوطني.
رأينا أمراء نجران وجازان والمناطق الأخرى في عسير وبيشة.. الخ، ولقاءاتهم في مجالسهم المفتوحة بالعلماء والمشايخ ورجال تلك المناطق شأنهم شأن أمراء المناطق في جميع مناطق المملكة، حيث أصبحت المجالس المفتوحة منبرا يلتقي من خلاله أمراء المناطق بالمواطنين والوافدين واستقبالهم بشكل جعل من تلك المجالس مرآة يستطيع من خلالها أمراء المناطق أن يلبوا رغبات المواطنين.
وفي جيزان ونجران مثل حي لهذه المجالس ومثلا الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان والأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود أمير منطقة نجران لقاءاتهما متكررة مع العلماء والمشايخ والمفكرين والكتاب والإعلاميين والمواطنين، بل إنهما يقومان بجولات متعددة لرقابة الأسواق، وهذا أمر محمود يعد في علم الإدارة رقابة مباشرة يقوم بها أكبر مسئول في المنطقة لدفع عجلة الرقابة وحماية حقوق المواطنين.
هذا ليس غريبا على الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز الذي له خبرته الطويلة في القوات السعودية المسلحة كان قائدا جسورا في سلاح المشاة حتى أصبح أميرا لمنطقة جازان، ومعروف أن القوات السعودية الباسلة تخرج منها قادة عرفوا بالشجاعة والقدرة على إدارة أعقد القضايا، هذا لأن أي قائد عسكري إضافة إلى تعمقه في العلوم العسكرية، هو أيضا له فكره النير في الإدارة، فلا توجد علوم عسكرية لا تحتضن في داخلها علم الإدارة وفنها.
الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود الذي يحمل فكرا نيرا ومؤهلات متفردة فقد تلقى علومه في مدرسة المظلات وقوات الأمن الخاصة، وحصل على شهادة من الجمعية البريطانية للقفز بالمظلات كما أنه نال نوط معركة عاصفة الصحراء، ووسام تحرير الكويت، وشغل منصب نائب أمير منطقة تبوك، ثم نائبا لأمير المنطقة الشرقية قبل أن يتقلد منصبه أميرا لمنطقة نجران.
إذا خبرات ومؤهلات الأميرين مزجت بين العلم العسكري والإدارة بعلمها وفنها، ولذا رأيناهما يطبقان هذا المفهوم وهما على رأس الإمارة، وهما يملكان خبرة الوقوف في وجه الإرهاب، وهما يقفان ضد عصابة الحوثيين الإرهابية، وهما متسلحان بعلم الإدارة التي تعني فيما تعنيه حسن الأداء بالأهداف والنتائج.. وبذا فقد ضرب مثلا حيا في مزج الإدارة الحديثة في العلم العسكري الحديث في مهام الإمارات إمارتي نجران وجيزان.
ويبقى القول إن كل هذا يتمحور حول مفهوم الوطنية في وطن قام على الدين الحنيف، لم يرسم حدوده مستعمرا وغاصبا أجنبيا.. فالشعور بالوطنية يملأ الوجدان وعقل كل مواطن سعودي يشعر بالحب والولاء لهذا الوطن الكبير.
وأمراء نجران وجيزان وأهلهما مواطنين التفوا ويلتفون جميعا حول هذا الوطن بقيمه ومبادئه وتراثه وتاريخه العظيم يقفون جميعا صفا واحدا كالبنيان المرصوص خلف قيادة خادم الحرمين الشريفين الحكيمة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين لحماية الوطن والحفاظ عليه.
هذا لأن حب الوطن فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله.
وعلى أرض الوطن يشعر الجميع بالأقدام الراسخة التي تتحدى كل أمر مستحيل.
وهذا هو ديدن أهل نجران وجيزان الصامدين تتكسر على صخرتهما رماح العصابات الإرهابية الحاقدة.
وهذا هو ديدن كل مواطن يعيش على أرض هذه البلاد الطاهرة.
والله الموفق.