د.محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. استكمالاً لما سبق من الإعلام وتحقيق التضامن وحماية الوحدة.
فإن الإسلام يختار الأوقات العصيبة في حياة الإنسان؛ لتكون مناسبات تُعطَى النفوسُ فيها جرعاتٍ تزيدها طاقة وتحملاً لأعباء الحياة ومشاقها، سواء بالشكر على النعم،
والتحدث بنعمة الله، أو الصبر على المصيبة، وتحمل ما حل من بلاء. وكانت التجمعات الأسبوعية واللقاءات السنوية في صلاة الجمعة، والعيدين والحج والمناسبات المماثلة: كصلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف.. مناسباتٍ إعلاميةً تجتذَبُ فيها العواطف لخالقها، وتتحد المشاعر مع أسلوب الدعوة والدعاء.
كما في زيارة المريض والدعاء له، والتعزية في وفاة قريب، وتشييع الجنازة، والمواساة في كارثة تحلّ، ورفع الظلم ومساعدة المظلوم، والحث على الصبر والتحمل في سبيل العقيدة، أو التهنئة بمولود جديد، والمشاركة في الأفراح، وإجابة الدعوة والتهنئة بالزواج، والترغيب في الوليمة وإجابة الدعوة وتشميت العاطس، والصلح بين الناس والصدقات، وغير هذا من المناسبات المتعدّدة، التي أوجدها الإسلام لتقوّي الرابطة وتمكِّن الأخوة، وتزيد أواصر المحبة، وترسخ الألفة؛ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات. وقال تعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.
وقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) متفق عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا - وأشار إلى قلبه - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه). رواه مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة.
فالإسلام في أسلوبه نحو الدعوة يسير مع الإنسان، في برنامج إعلامي طويل، لا يعرف الكَلل، ولا يدب إليه اليأس، فهو يختار الأوقات المناسبة، والأماكن الملائمة؛ ليعطي في هذه المواقف الكلام المناسب أيضاً، الذي يؤثر في النفس وتتجاوب معه العواطف، فيكون أدعى للتفاعل والاستجابة، وأمكن في ترسيخ الجذور المتأصلة، وهذا ما يسمى بمخاطبة القلب للقلب، ذلك الذي تبقى آثاره في النفس مدى الحياة، ولا يتأثر بالأشياء المحيطة والعابرة، مماّ يمكّن أواصر المحبة، ويزيد أفراد المجتمع التئاماً وتضامناً. قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (63) سورة الأنفال.
ومن هنا نجد رسالة الإسلام، أكثر وأمكن تأثيراً في النفوس من أي مبدأ ورسالة.
يقول المؤرخ الإنجليزي توبني: كل حضارة من حضارات الأمم في أحقاب التاريخ، قد مرت ثم انمحت بسرعة ولم تعد، إلا الحضارة الإسلامية، فإنها قد طال مكثها، وستعود مرة أخرى؛ لأنها تخاطب النفوس والمجتمعات بما يصلحها، وتعطي لكل مناسبة ما يلائمها.
وهو الذي يقول: لقد كنت دائماً أعلم بأن كل حضارة بأمس الحاجة إلى دين، وأن حياتها مرهونة بحياته.
ثم جدّتْ في العصر الحاضر، وسائل الإعلام بأنواعها الثلاثة: المسموعة والمرئية والمقروءة، والتي تصل لكل بيت وركن، وتربط الأمم والشعوب من أقصى الدنيا إلى أقصاها، وترسل الأفكار والتوجيهات إلى البعيد والقريب، على حد سواء، فكانت سلاحاً ذا حدين، انطلقت منه الأمم القادرة لبث مبادئها، وترسيخ عقائدها في حماسة ومواظبة، وحرص وانفعال.
وليس غريباً أن يفرض القوي دوره، ويعلي إرادته، فهذا نموذج من لذة الانتصار ونشوة الفوز، لكن الغريب أن تنساق الأمة الإسلامية في مساعدة هذا القويّ في مسيرته، وفي نشر ثقافته، وبسط نفوذه، وتوسيع إعلامه الذي يريد منه تفتيت الأمة الإسلامية، وبث الفرقة بين أفرادها وجماعتها، بل لعلها لا تدري أنها تسير معه في خط رسمه، وتتعصب لاتجاه دعا إليه، وهذه الحالة من أشد المصائب، فهي لا تدري بهذا الطريق بعيد المدى، وتود أن لا تدري بأنها لا تدري، ما تجني على أمتها وناشئتها في هذا الاتجاه.
إن أمم الشرق والغرب، وهي التي سبقت أمة الإسلام في الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة، وتسخيرها لخدمة أفكارها، ونشر مبادئها، قد جعلت لها بجانب الهدف المادّي البَحت، هدفاً عميقاً في الفكر، وذا دلالة في المعتقد، والتعاون مع المصالح، بتخطيط من العلماء والمفكرين من ملل الأرض المختلفة.
فالواجب أن يكون الإعلام فيه توجيه ورعاية واهتمام وفائدة، وألا يكون رخيصاً مبتذلاً، ومثيراً للمشاعر والأحاسيس التي تباعد المسلمين عن تعاليم دينهم ومصلحة أوطانهم.
وإذا أردنا أن نعرف القاعدة التي يجب أن ينطلق منها الإعلام - سواء المسموع أو المقروء أو المرئي - فنجد أنه يستهدف تحقيق المصالح للبلاد ودرء المفاسد عن الأوطان، ما يجعل الإعلاميين أمام مسؤولية كبيرة تجاه تحقيق رسالتهم المنشودة.
فلا ينبغي للإعلاميين في عالمنا الإسلامي أن ينشغلوا بالصحافة الرخيصة، والصورة المؤثرة المثيرة، والاهتمام بالفن والفنانين، وإلهاء الناس بتتبع حياتهم، وتقليد تصرفاتهم، والتركيز على أشياء ليست بذات نفع.
ولفت النظر للأحداث والتركيز على المراهقين والمراهقات، وتحريك غرائزهم ومواطن الضعف في نفوسهم، فهذا النوع من الإعلام لا يحقق الأهداف المطلوبة، ولن ينتج سوى أجيال يحملون ثقافة ضحلة و يكونون عالة على المجتمع، ويشكلون خطراً عليه.
وللحديث بقية؛؛؛