عروبة المنيف
ذلك الدماغ صانع الأفكار ومستقبلها ومبرمجها لتأخذ أشكالاً عديدة، هذه الأفكار المتشكلة تترجم عادة إلى مشاعر والتي بدورها تكون مسؤولة عن سلوكياتنا وتصرفاتنا وردود أفعالنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين.
ولكي تتشكل الأفكار بقالب معين تحتاج إلى بيئة معينة ومناسبة لتترعرع وتنمو،
ونخص بالذكر تلك البيئة الخصبة التي وجدها أعداء الإنسانية ومحرضوا الفتن في عقول الشباب لنثر بذور الفكر الإرهابي التكفيري الذي يتبنونه وقيامهم برعاية تلك العقول حتى كان لهم ما أرادوا ليحصدوا مشاعر مليئة بالكراهية والتي بدورها أفرزت سلوكيات غير سوية تقدس الموت وتأبى الحياة.
ما ساقني للحديث عن السلوكيات ومنبعها الفكري والمشاعري ليس فقط العقلية الإرهابية المسلوبة والتي نحصد تبعات سلوكياتها الآن، بل زاد الكيل اطلاعي على خبر نقلته وسائل إعلامنا المحلية والذي يتضمن، نقل طالبات مدرسة ابتدائية يطلق عليها «الابتدائية الأولى في الشلايل» في «قرية الشلايل» والتي تقع جنوب المدينة المنورة إلى مدرسة أخرى بسبب «الجن».
أثارت تلك المدرسة أو كما يطلقون عليها «مأوى الجن» اهتمام إدارة التعليم في المنطقة، فقد وجّه مدير عام التعليم بالمنطقه بتشكيل لجنة لتقصي الخبر ومعالجة الأمر.
قصة الجن في تلك المدرسة تفاقم مؤخراً فيها ما أدى إلى تعطيل سير العملية التعليمية، فقد أصيبت بعض الطالبات بالإغماء والتشنج نتيجة الخوف من الجني القابع في المدرسة وتغيبن عنها ما استدعى مديرة المدرسة لأن تبادر بمخاطبة إدارة التعليم بالمنطقة واجتهدت أيضاً بالاستعانة بأحد الرقاة لقراءة القرآن في المدرسة ولكن أبى الجن أن يغادر وأبت الطالبات أيضاً العودة للمدرسة ما سبب رعباً بين الطالبات فتدخلت إدارة التعليم في المنطقة ونقلت الطالبات إلى مدرسة أخرى لتأدية الاختبارات في أجواء هادئة بعيداً عن الجن وإرهابهم.
إن استجابة إدارة التعليم السريعة وقناعتها برواية الجن وذلك بنقل الطالبات إلى مدرسة أخرى يشكل منفذاً من الممكن أن يستغل من قبل مدارس أخرى وخصوصاً تلك التي تعاني من سوء المباني وتجد في الجن منقذاً سريعاً لمعاناتها في سبيل تغيير مدارسهن المتهالكة.
تساهم الأفكار الموروثة التي نستقيها من حكايات وقصص مستوحاة من البيئة المحيطة في تشكيل عواطفنا وسلوكياتنا، فقصة الجن في المدرسة لم تكن تأخذ هذا البعد لو لم تجد بيئة ملائمة لدعم القصة وتأكيدها، فقصص الجن واتخاذه لهيئات وأشكال مختلفة أفرز لدينا عقليات متشبثة بالغيبيات بطريقة مرضية وتريد بنفس الوقت نقل تلك الأفكار الموروثة للأجيال الشابة التي يتناقض لديها مع ما تسمعه وتطلع عليه من أساليب علمية في التفكير ما يفرز أجيالاً مضطربة فكرياً ونفسياً، وأنا لا أنكر هنا وجود الجن فهو موجود بتأكيدات قرآنية ولكن لم يوضح القرآن هيئته وكينونته وبالتالي كيف نعطيه هيئات وأشكال سواء على شكل إنسان مثل «جني الشلايل» أو حيوان أوغيره ونجعله شغلنا الشاغل! لنعتبره من الغيبيات ونحاول تجاهله، لأن «اللي يخاف من الجني يطلعله» فلنحيا حياة مستقرة آمنة بعيدة عن بعبع الجني!.
يأتي هنا دور المعلم والمربي في البيت والمدرسة، فعندما تزرع جنياً داخل الطفل وترعاه سيكبر وسصبح بعبعاً مخيفاً يؤرق المنام ليظهر في شكل أمراض نفسية، وهذا هو حال الطالبات، مراهقات مدرسة الشلايل حيث الخيال لديهن واسع ووجدن بيئة حاضنة وملائمة لدعم أقوالهن بدءً من المعلمات وأولياء الأمور وانتهاءً بإدارة التعليم التي باتخاذها قرار النقل أثبتت واقعة «الجن».
أرى أنه من الأجدى إخراج الجن من عقول المعلمين والمربين ومن محتويات الكتب الدراسية حتى لا ينتقل الجن من عقول الكبار إلى عقول الصغار ليترعرع فيها ويصبح جيلاً مخترقاً ومضطرباً نفسياً يخاف دخول الحمام بالرجل اليسرى ويخاف إذا نسي دعاء دخول الحمام ويخاف من الخبث «ذكر الجن» والخبائث «انثى الجن» ويخاف من الظلام ومن القطط السوداء ومن دورات المياه حتى المدرسة لم تخلو من الجن فأصبحوا يخافونها.
أعتقد أن الدعوة مفتوحة لمدارس البنات المتهالكة والتي بحاجة إلى تغيير وذلك عن طريق الاستعانة بالجني ويفضل «جني الشلايل» حيث أثبتت الأحداث الدرامية أن «سرُّه باتع» حسب مقولة إخواننا المصريين ليكون المنقذ للطالبات في الانتقال لمدارس أفضل ولمعلمات متنورات ينبذن الخرافات في عصر العلم الرقمي.