جاسر عبدالعزيز الجاسر
توصل خبراء الإستراتيجية والمخابرات الغربية أن أفضل طريقة لتدمير القوة الإسلامية وتفتيتها هو إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين، مراكز الأبحاث هيأت الدراسات وزودت المؤسسات الاستخباراتية والإستراتيجية بمعلومات تاريخية وفكرية وتفصيلية عن المسلمين ومذاهبهم، موضحين أن المسلمين رغم كثرة مذاهبهم وفرقهم، إلا أن الأغلبية العظمى منهم ينتمون إلى أهل السنة وهم الذين يتبعون أربعة مذاهب، هي مذاهب مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، وأبو حنيفة النعمان، ومحمد بن إدريس الشافعي، والشيعة يتفرعون لعدة فرق إلا أن أشدهم وأكثرهم عدداً هو المذهب الجعفري نسبة إلى جعفر الصادق ويسمى أيضاً بالاثني عشري، إشارة إلى تعلق أصحاب هذا المذهب بالاثني عشر إماماً من أبناء الإمام علي بن أبي طالب وأحفاده، وهناك فرق تحسب على الشيعة أو قريبة منهم، مثل الإسماعيلية والزيدية والعلوية، ولقد وجد الساعون إلى إيجاد شرخ بين المسلمين أن البداية يجب أن تركز على إحداث هذا الشرخ بين أهل السنة والشيعة، دون إغفال استغلال الفرق الأخرى مثلما نراه الآن في تحريك الزيديين الذين يحركهم الحوثيون وفق فرز طائفي ومذهبي.
لم يتوقف التحريض والعمل على توسيع الشرخ بين المسلمين عبر التركيز على الفوارق المذهبية التي كانت في السابق محصورة بين المراجع الفقهية دون توريط العامة بها، بل نشطت المراكز والأجهزة وحتى معاهد التدريب التي تديرها المخابرات الدولية على توظيف هذه الخلافات وتعميقها فكرياً والانتقال بها إلى ساحات المعارك.
وفي الربع الأخير من القرن الماضي بدأ تكوين جماعات مسلحة لترجمة العنف الطائفي، ومع أن البداية كانت عن طريق إنشاء مجموعات الجهاد ومواجهة القوات السوفييتية في أفغانستان والتي كان الهدف منها يتوافق تماماً مع الشريعة الإسلامية والتوجه الإسلامي حيث كان المجاهدون الأفغان ومن انضم إليهم من المجاهدين الآخرين وجميعهم من المسلمين العرب السنة، هدفهم تخليص بلد إسلامي هو أفغانستان من الاحتلال الشيوعي، إلا أنه وفيما بعد، وبعد أن أنجزت المهمة الأساسية وخرج السوفييت من أفغانستان استبدلت كتائب الجهاد بميليشيات أرادت فرض فكرها المتطرف ونهجها الفكري بتطبيقها للدين الإسلامي، فأنشئ تنظيم القاعدة الدولي الذي ضم كل العناصر التي شاركت في الجهاد الأفغاني، وأقام «العرب الأفغان» وجميعهم من المسلمين السنة فروعاً تنظيمية للقاعدة فظهر في العراق تنظيم قاعدة العراق بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، وقاعدة اليمن والجزيرة العربية الذي ضم يمنيين وسعوديين وخليجيين الذين حاربوا في أفغانستان، كما أنشئ تنظيم قاعدة المغرب العربي، وضم من قاتلوا في أفغانستان من أبناء الجزائر وليبيا والمغرب وتونس وموريتانيا ومالي والنيجر، وحتى هذا التنظيم تفرخ عنه تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، وهو الطبعة الإفريقية لتنظيم القاعدة، فيما تكونت في أفغانستان منظمة متطرفة أفرزتها الحرب الأفغانية اقتصرت على الأفغان ومعظمهم من الطلبة الأفغان الذين كانوا يدرسون في باكستان وأكثرهم من الإثنينية الأفغانية الباكستانية «البشتون».
هذه المنظمات التي كانت في مجملها تنظيمات قتالية ومحاربة وقد اتكأ معظمها إن لم تكن جميعها على التنظيم السياسي الفكري الأوسع للمسلمين السنة، وهو جماعة الإخوان المسلمين الذي أنشأه في مصر حسن البنا الذي كان يهدف إلى تعويض المسلمين بإنشاء منظمة سياسية جامعة لكل المسلمين تعويضاً لهم عن خسارتهم الخلافة الإسلامية.
وهكذا وعبر الخط القتالي المتمثل بالقاعدة وطالبان وأخيراً داعش والخط السياسي المتمثل بالإخوان المسلمين وأحزاب الإسلام السياسي الأخرى التي كانت رافداً للإخوان، أو فروعاً لها، أمكن بناء تجمع سني متطرف عده الشيعة خطراً يهددهم ويستوجب مواجهته بنفس الأدوات والفكر ليكونوا هم أيضاً تنظيمات قتالية وأحزاباً سياسية، وهو أوجد جبهة معادية تعمق شرخ الفتنة الطائفية.