رقية الهويريني
أقيم في إحدى الأسواق التجارية عرض بغرض توعوية الناس عن أضرار المخدرات اشتمل على فقرة تعرض النهاية المؤكدة لمدمن المخدرات وهي الموت ولفّه في الكفن! وأخذ هذا المشهد معظم وقت العرض. ولأنه كان بين الحضور أطفال جاءوا إلى السوق للعب والمرح فكان مروعاً لهم مشاهدتهم منظر الموت والتكفين تحديدا، لذا جاء احتجاج الناس على عرض تلك الفقرة. واستاءوا من ذلك المشهد.
وكنت أعتقد أن تلك المشاهد قد ولت مع زمن كان المرء فيه يستمرئ الحزن ويجتر البؤس وتعذيب النفس! ومن الذكريات البائسة آنذاك أنه كانت تتردد حكايات توعوية أقرب للوهم حول بعض الممارسات العادية أو الخاطئة أو التجاوزات الشرعية مثل تأخير الصلاة . حيث ينشط بعض الوعاظ بتخويف الناس من تأخيرها أو تركها بالكلية أو سماع الأغاني أو لبس البنطلون للنساء، فغالباً ما تكون العبرة والعظة موجهة للمرأة أو أن محور التوجيه والوعظ يدور حولها! مثل قصة فتاة ماتت، وفقد والدها ساعته عند قبرها فرجع إليه ورأى فيه ناراً تأكل الجثة! فعاد لأمها يسألها عن شأن تقصير البنت فقالت إنها تؤخر الصلاة ! ولا أدري كيف عاد للبيت وهو يرى جثة ابنته تحترق؟! ولا أعلم هل احترقت ساعته أم وجدها لأنها ساعة رجل صالح؟!!
وكانت مشاهد تغسيل الميت وتكفينه تقام في مدارس البنين والبنات بشكل مستمر، بل تعد من الفعاليات وتكتب ضمن التقارير المرفوعة للوزارة المختصة بالأنشطة اللاصفية! حتى اشتكى بعض الآباء والأمهات من تأثير ذلك سلبياً على نفوس أبنائهم، فجاءهم الرد بأن ذلك من الضرورات الشرعية!! وأي شرع يقتصر على الحزن والتعاسة والشقاء والعذاب؟! ولست أدرك سبباً لحصر التوعية والوعظ بالنكد والتخويف وسوء المنقلب بعد الموت؟ برغم أن التوعية ينبغي أن توصل للسعادة والفرح طالما المرء تجنب الخطر، أما أن يكون اختيار الموت هو نهاية التوعية يعني أنها لم تؤدِ دورها المطلوب! وهو ما يجب الالتفات له، فيلزم الابتعاد عن المشاهد التمثيلية المؤذية للكبار والصغار سواء في المجمعات والأسواق أو على شاشة التلفزيون، ومنها مشاهد الرعب والمغامرات التي تعرضها بعض القنوات بهدف الحصول على أكثر عدد من المشاهدين!
ولابد من اختيار كفاءات متخصصة للقيام ببث البرامج الإرشادية والتوعوية المنظمة واختيار الفئات المستهدفة بعناية ومراعاة النواحي التربوية والنفسية، والبعد عن الفوضوية والارتجالية لتنفيذ تلك البرامج، لتصل لهدفها المنشود.