د. محمد عبدالله العوين
السؤال اليوم: ماذا جنى المسلمون بعد مرور عام على إعلان ما سمي بـ«الخلافة الإسلامية» ؟!
لا بد من الإشارة إلى أن هذا التنظيم لا يمكن أن يتمدد وتسلم له مدن بكامل بنياتها العسكرية والمالية والتموينية دون حماية دولية؛ فقد انسحب الجيش السوري من «الرقة» لجبهة النصرة حين كانت متفقة مع داعش « ثم اتخذتها التنظيم عاصمة له ، وكالموصل ، والرمادي وتدمر وغيرها ، ولا يمكن أن تذرع قوافل «داعش» صحاري العراق والشام بمسافة 300 كم متنقلة من مدينة إلى مدينة دون أن تطلق عليها رصاصة واحدة من التحالف الدولي الذي تديره أمريكا وتتحكم بعملياته الجوية؟ ولا يمكن أن تتقاطر آلاف السيارات من الدفع الرباعي بلون وشعار واحد من دولة مجاورة لداعش دون أن يمنعها أحد؟ ولا يمكن أن يصدق أحد أن التنظيم غير محمي وهو يعلم أن البواخر القادمة من جهة ما ترسو على الموانئ الليبية لإمداد «ولاية درنة» ومقاتليها بالأسلحة وبالسيارات الموحدة ذات الدفع الرباعي والملونة بشعار التنظيم تحت حماية البوارج الأمريكية؟ ولا يمكن أن يصدق أحد أن التنظيم غير محمي والبوارج الأمريكية تشاهد بالعين المجردة الفيلم السينمائي الإجرامي الذي أنتجته هوليود على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الليبي وغيرت لون البحر إلى الأحمر الفاقع بدم الأبرياء والبوارج الأمريكية لا تحرك ساكنا!
وإذ تتكاثف التساؤلات المقلقة عن المخِطط والمنظِم والممِول؛ ندع الغوص العميق في البحث عن إجابات شافية لتلك الشكوك الأقرب إلى اليقين؛ ونجدد تساؤلا يفتح الآفاق: ماذا جنى المسلمون خلال عام؛ لنعلم يقينا ما هو؟ وما هي غاياته؟ وإلى أين يسير في تنفيذ مخططه الواسع الكبير؟
لقد كسب العرب والمسلمون من إعلان التنظيم خلافته المزعومة أن أهدر دم آلاف الأبرياء من مختلف الجنسيات والديانات والمذاهب والقبائل؛ لا استثناء لدين أو مذهب أو قبيلة أو عرق؛ فإذا كان التنظيم قد أراق دماء شيعة؛ فإنه لم يستثن قبيلة الشعيطات السنية ، وإذا كان أهدر دم الأكراد وهم مسلمون ، أو نحر وصلب من أبدوا نوعا من تذمر أو اعتراض أو احتجاج على ما يحدث من إجرام ، وبعضهم ينتمي إلى التنظيم نفسه أرادوا الفرار والعودة إلى ديارهم أو الانشقاق إلى «جبهة النصرة» فإنه أيضا لم يوفر أحدا ممن ينتمون إلى الديانات الأخرى؛ كالأزيديين والتركمان والكلدان والنصارى والصابئة ، وسبى نسائهم وعرضهم في المزاد جواري للبيع ، وسلب أموالهم ، وهجرهم من ديارهم.
وإلى جانب الاستهانة بالإنسان؛ حياة وكرامة؛ فإن التنظيم أيضا سعى إلى إلغاء تاريخ المنطقة ومحو معالمها الأثرية؛ فهدم المساجد والكنائس ، وسرق وباع ودمر الآثار الفينيقية والآشورية والإسلامية التي يعود تاريخ بعضها إلى ستة آلاف سنة في حمص والموصل وتدمر وغيرها؛ مما يعده العلماء الأثريون خسارة لا يمكن استعادتها أو تعويضها.
وسعى التنظيم إلى تمزيق المنطقة العربية ووضَع إسفينا أمام إمكانية أي تقارب بين المذاهب والدول ، وأوكل إلى الجماعات التي أعلنت مبايعتها له أو تبنت أفكاره النهوض بالأدوار التي يقوم بها في الشام والعراق ، فاستنسخت الجماعات المتطرفة في اليمن والصومال وأفغانستان ونيجيريا والجزائر وليبيا وسيناء وغيرها أساليب الذبح والسبي والتدمير الوحشية التي ينهجها.
قدم التنظيم للعالم كله أقبح صورة يمكن أن يتخيلها أحد عن الإسلام والمسلمين ، ولقد كان النابهون في العالم الإسلامي يغارون على الإسلام وعلى الشخصية العربية والمسلمة مما يرسمه لها إعلام اليمين المتصهين في أمريكا بالأفلام السنيمائية أو البرامج التلفزيونية؛ فقدم التنظيم بأفعاله الوحشية من نحر وقتل جماعي بالمئات وسبي وسلب وتهجير ما لا يمكن أن تنجزه حكومات دول لها موقف سلبي من الإسلام والمسلمين ، وبدل أن تقبل شعوب غربية وشرقية على الدخول في الإسلام أصبحنا نرى تراجعا مريعا في تلك النسبة.
لا بد لليل مهما طال أن ينجلي.